أسامة الأزهري وأطروحة ابن تيمية

أسامة الأزهري وأطروحة ابن تيمية

***

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتّبع هداه،

أما بعد، فقد سئل أسامة الأزهري –في مقطع مسجل-: “عن استشهاد عدد من التيارات المتطرفة بكتابات ابن تيمية، وهل هذا يفرض إعادة النظر في كتابات ابن تيمية؟!

فأجاب: وهل ابن تيمية معصوم عن الخطأ المعصوم عن الخطأ أنبياء الله تعالى فقط، وما دون الأنبياء فليس أحد بمعصوم، بل كُلٌّ يأخذ بقوله ويرد، أمَّا عن ابن تيمية بخصوصه فأستطيع أن أقول – وقد قلت هذا من قبل في عدد من البرامج والحورات-: هناك فارق كبير بين إمام من الأئمة يترك للأمة من بعده أطروحة علمية مستقرة وبين عالم من العلماء يترك للأمة من بعده أطروحة علمية قلقة هناك شخصيات قلقة في تاريخ العلم عندنا هناك شخصيات مستقرة في تاريخ العلم فمثلا الإمام النووي بكتابه شرح صحيح مسلم بكتابه رياض الصالحين بكتابه الأربعين النووية بكتابه المنهاج في فقه السادة الشافعية الذي صار معتمدًا في تدريس الفقه في زمان النووي في القرن السابع إلى جيلنا الذي عشناه ودرسنا فيه كتب الإمام النووي يعني على مدى ثمانية قرون من الزمان اعتمدت الأمة على كتب الإمام النووي، صار معتمدًا في التدريس؛ فالإمام النووي أطروحته ومؤلفاته تشكل أطروحة علمية مستقرة.

ابن تيمية -رحمه الله- عاش حياته بأكملها في مناظرات وجدل وأكثر حياته كانت أطروحاته صادمة لعلماء زمانه وسجن كثيرًا، ودعي لمجالس المناظرة كثيرًا، وانعقدت المجالس لفحص أطروحاته الفكرية كثيرًا بما يعني أن نتاجه أطروحات فكرية قلقة ما زالت تحظى بإعادة الفحص والنظر والتقييم من العلماء منذ أن توفي وإلى يوم الناس هذا”.

قلت: أمَّا قول الأزهري: “وهل ابن تيمية معصوم عن الخطأ المعصوم عن الخطأ أنبياء الله تعالى فقط، وما دون الأنبياء فليس أحد بمعصوم؟!”، فهذا حقٌّ لا نماري فيه، ولو توقف عند هذا الحدِّ، لكان الأمر مقبولاً.

وأما دعواه بعد ذلك أن أطروحة ابن تيمية الفكرية –كذا- قلقة، فهذا يحتاج إلى وقفة إنصاف، ليس دفاعًا عن ابن تيمية لذاته، إنما دفاعًا عن معتقد ومنهج السلف الصالح الذي ذبَّ عنه ابن تيمية طيلة حياته، ومن أجل ذلك دخل في مناظرات مع طائفة من علماء عصره الذين تحاموا في الدفاع عن البدع وأهلها، وجمدوا على التقليد الأعمى والتعصُّب المقيت، وأبوا أن ينقادوا للأدلة الناصعة التي ساقها لهم شيخ الإسلام، ولَمَّا عُدِموا الحجة العلمية التي بها يجابهون الحقَّ الجلي الذي دعاهم إليه شيخ الإسلام، لم يجدوا بدًّا من التمالئ عليه عند السلطان، وافتراء الأكاذيب عليه؛ كي يسجن.

وابتداء أقول: إن ابن تيميه ليس لديه أطروحة فكرية ابتدعها من بنات أفكاره، كحال أهل الأهواء، إنما هو ناقل لنصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمّة.

وصدق بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبدالبر السُّبكي حين قال: “والله –يا فلان- لا يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصُدُّه هواه عن الحقِّ بعد معرفته به” (الردُّ الوافر ص99).

وهذه كتب شيخ الإسلام بين أيدينا مليئة بنقولات عن أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين في القرون الثلاثة الأولى المفضَّلة من الهجرة.

وإليك مثالاً واحدًا من عشرات الأمثلة في كتب شيخ الإسلام يحشد فيها أقوال السلف الصالح حشدًا في بيان معتقدهم الصافي الذي تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يتلقوه عن غيره.

قال شيخ الإسلام في “شرح العقيدة الأصفهانية” (ص208-217/ط دار الإمام أحمد):

“وأما أقوال السلف وعلماء الإسلام في هذا الأصل –أي: إثبات أفعال الله تعالى-، وما في ذلك من نصوص الكتاب والسنة فهذا أعظم من أن يسعه هذا الشرح، ومن كتب التفسير المنقولة عن السلف مثل تفسير عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وبقي بن مخلد، وعبد الرحمن بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر بن المنذر، وأبي بكر بن عبد العزيز، وأبي الشيخ الأصفهاني، وأبي بكر بن مردويه وغيرهم، من ذلك ما تطول حكايته، وكذلك الكتب المصنفة في السنة والرد على الجهمية وأصول الدين المنقولة عن السلف مثل كتاب «الرد على الجهمية» لمحمد بن عبد الله الجعفي شيخ البخاري، وكتاب «خلق الأفعال» للبخاري، وكتاب السنة لأبي داود السجستاني ولأبي بكر الأثرم، ولعبد الله بن أحمد بن حنبل، ولحنبل بن إسحاق، ولأبي بكر الخلال، ولأبي الشيخ الأصفهاني، ولأبي القاسم الطبراني، ولأبي عبد الله بن مندة وأمثالهم، وكتاب «الشريعة» لأبي بكر الآجري، والإبانة لأبي عبد الله بن بطة، وكتاب الأصول لأبي عمر الطلمنكي، وكتاب رد عثمان بن سعيد الدارمي وكتاب الرد على الجهمية له وأضعاف هذه الكتب، وذلك مثل ما ذكره الخلال وغيره عن إسحاق بن راهويه حدثنا بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) أي ارتفع.

وقال البخاري في صحيحه: قال أبو العالية: استوى إلى السماء ارتفع، وقال مجاهد: استوى: علا على العرش.

وقال البغوي في تفسيره: قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف استوى إلى السماء: ارتفع إلى السماء، وكذلك قال الخليل بن أحمد، وروى البيهقي عن الفراء: استوى أي صعد وهو كقول الرجل كان قاعدا فاستوى قائمًا.

وروى الشافعي في مسنده عن أنس بن مالك أنه قال عن يوم الجمعة: وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش.

وروى أبو بكر الأثرم عن الفضيل بن عياض قال: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف؛ لأن الله وصف فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}، فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه ومثل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما شاء أن ينزل وكما شاء أن يضحك فليس لنا أن نتوهم أن ينزل عن مكانه كيف؟ وإذا قال لك الجهمي: أنا كفرت بربٍّ ينزل، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.

وقال البخاري في كتاب خلق الأفعال، والفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.

قال البخاري: وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي، وروى الخلال، عن سليمان بن حرب، أنه سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل الحديث ينزل الله إلى السماء الدنيا أيتحول من مكان إلى مكان، فسكت حماد بن زيد ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء، وهذا نقله الأشعري في كتاب المقالات عن أهل السنة والحديث فقال: ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين ولا يحدثون في دينهم ما لم يأذن الله ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، وأن الله يقرب من خلقه كما يشاء كما قال:

{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.

ثم قال الأشعري: (وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب).

وقال أبو عثمان النيسابوري الملقب بشيخ الإسلام في رسالته المشهورة في السنة قال: ويثبت أهل الحديث نزول الرب سبحانه في كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون له ما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهوه فيه إليه ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله وكذلك يثبون ما أنزل الله في كتابه من ذكر المجيء والإتيان في ظلل من الغمام والملائكة وقوله عز وجل: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}.

وقال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضر إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه فسئل عن حديث النزول صحيح هو؟ فقال:

نعم، فقال بعض قواد عبد الله: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة قال: نعم قال: كيف ينزل؟ قال أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله تعالى: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فقال له الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة، فقال إسحاق: أعز الله الأمير من يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟!

وروى بإسناده عن إسحاق قال: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا الحديث الذي تروونه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف ينزل؟ قال: قلت: أعز الله الأمير لا يقال لأمر الرب كيف ينزل؟ إنما ينزل بلا كيف.

وبإسناده أيضا عن عبد الله بن المبارك أنه سأله سائل عن النزول ليلة، النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف ليلة النصف أي وحدها، هو ينزل في كل ليلة فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ ألم يخل ذلك المكان؟

فقال عبد الله بن المبارك: ينزل كيف شاء.

قال أبو عثمان النيسابوري: فلما صح خبر النزول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقرّ به أهل السنة، وقبلوا الحديث، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيها له بنزول خلقه وعلموا وعرفوا واعتقدوا وتحققوا أن صفات الرب لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق سبحانه وتعالى عمّا يقول المشبهة والمعطلة علوّا كبيرا.

وروى البيهقي بإسناده عن إسحاق بن راهويه قال: جمعني وهذا المبتدع- يعني ابن صالح- مجلس الأمير عبد الله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فثبتها فقال إبراهيم: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء، فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء، فرضي عبد الله كلامي، وأنكر على إبراهيم.

وقال حرب بن إسماعيل الكرماني في كتابه المصنف في مسائل أحمد وإسحاق مع ما ذكر فيها من الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم قال:

(باب القول في المذهب) هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من علماء العراق والحجاز والشام عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب «2»، أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن سبيل السنة ومنهج الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وبقي بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم.

وذكر الكلام في الإيمان والقدر، والوعيد والإمامة، وما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وأمر البرزخ وغير ذلك إلى أن قال: وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش وللعرش حملة يحملونه وله حد الله أعلم بحده، والله تعالى على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك، ويسمع ويبصر، وينظر ويقبض، ويبسط ويفرح، ويحب ويكره، ويبغض ويسخط، ويغضب ويرحم، ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع، ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، متكلما عالما تبارك الله أحسن الخالقين… إلخ”.اهـ

قلت: فما هو قول الأزهري في أقوال هؤلاء الأئمة العظام، هل كانوا كذلك أصحاب أطروحات قلقة؟!

وإن كان شيخ الإسلام عنده أطروحة قلقة تفرد بها، فهو بذلك يخالف هؤلاء الأئمة عبر القرون السابقة له في فهمهم للكتاب والسنة، فلِمَ نقل أقوالهم واعتبرها عمدة في معتقده الذي بسببه دخل في مناظرات، وابتُلي بالسجن؟!

أليس هذا هو البهتان بعينه على هذا الإمام؟!!

ولذلك على أسامة الأزهري –إن كان صادقًا مع ربِّه، ثم مع نفسه- أن يعترف صراحة أن مقصوده السلف الصالح من الصحابة والتابعين لا ابن تيمية فحسب، فهو لا يقبل فهمهم للكتاب والسنة، ولا يقبل معتقدهم الذي نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،  ويقدِّم على منهجهم منهجَ مَن ناقض فهمهم مناقضة بيِّنة! فهو يقدِّم عليهم: الماتريدي، وأبا حامد الغزالي، والرازي، والسُّبكي، وابن عربي الطائي، وابن سبعين … إلخ.

فمن أهدى سبيلاً؟ ومَن أعلم بالكتاب والسنة؟

آلصحابة وأتباعهم بإحسان ؟ أم الخلوف أتباع الفلاسفة أرسطو وسقراط والكندي والفارابي؟!

وكلُّ مصنَّفات شيخ الإسلام وما احتوته من ردود ومناظرات كلُّها مبنية على هذا الأساس المتين من النقولات عن أئمة السلف الصالحين.

وإنما دخل هذه المناظرات ضد خصوم هذا المعتقد الصافي الذين أرادوا أن يستبدلوه بأفهام المتكلِّمين والفلاسفة، كما يريد أسامة الأزهري وأشباهه من الأشاعرة –الذين خالفوا حقيقة معتقد الأشعري –أي معتقد السلف الصالح- الذي رجع إليه في طوره الأخير-.

وما أشبه أسلوب الأزهري في الغمز في شيخ الإسلام ابن تيمية بأسلوب الصَّفَدي كما في كتاب “موقف خليل بن أيبك الصفدي من شيخ الإسلام” (ص72-73) قال:

“استخدم الصفدي ألفاظًا، يرجح الدراس فساد نيته في اختيارها، مثل قوله، وهو يترجم لأحد خصوم أبي عباس: “…وكان ممن يعبث بالشيخ تقي الدين ابن تيمية ويؤذيه بلسانه …”، وقوله في ترجمة الوجودي القادم من الأناضول، تلميذ الصدر القونوي (ت 673ه) : كريم الدين الأيكي (ت710 ه) هذا الذي أخبر الذهبي بأن الصوفية أثبتوا فسقه من ستة عشر وجهًا: “… وكان الشيخ تقي الدين ابن تيمية كثير الحطِّ عليه، غزير النط –على رأي العوام- إليه”، وليس في بقية كلام الصفدي ما يشعر بتصويبه حطِّ ابن تيمية عليه، أو بيان أن ذلك كان منه للتحذير من ضلالته، فهي مقولة بغرض السخر والاستهزاء، وخلة السوء، هذه عرفها الإمام الدماميني من خُلُق الصفدي في بعض كتبه، فقال: “… وأنه لأجدرُ بالطنْن عليه، فإنه أورد كلاما ساقطًا …”.اهـ

قلت: وأين خصوم شيخ الإسلام الذين ردَّ عليهم؟

هل بقيت أطروحاتهم القلقة؟! أم طاشت وانمحت، وانمحى ذكرهم، وصاروا نسيًّا منسيًا؛ تحقيقًا لسنة الله سبحانه الكونية المذكورة في قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ}؟!

وقيل لأبي بكر بن عياش: إن بالمسجد قومًا يجلسون ويجلس إليهم، فقال: من جلس للناس، جلس الناس إليه، ولكن أهل السنة يموتون، ويحيى ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فكان لهم نصيب من قوله: {ورفعنا لك ذكرك}، وأهل البدعة شنؤوا ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فكان لهم نصيب من قوله: {إن شانئك هو الأبتر}.

وأضرب للأزهري مثالاً باثنين منهم، وهما: البكري، والإخنائي.

أما البكري، فقد كان يُنسَب إلى الشافعية، فلم يترجم له إلا نفر يسير من أصحاب تراجم الشافعية في أسطر قليلة، ولا يعرفه أحد إلا من خلال ردِّ شيخ الإسلام عليه، ولولا ذلك ما عرفه أحد.

وأما الإخنائي، فلا يختلف عنه كثيرًا، فأيضًا لم يترجم له إلا نفر يسير ممّن ترجم للمالكية، وما عرفه أحد إلا عن طريق ردّ شيخ الإسلام عليه.

لكن قد يقول قائل: قد بقي ذكر بعض رءوس أهل الأهواء، بل بعض رءوس الزنادقة والكفَّار، وبقيت مؤلَّفات بعضهم؟!

والجواب: إن بقاء ذكر بعض هؤلاء وبقاء بعض آثارهم إنما هو فتنة وابتلاء؛ {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، وتحقيقًا لسنن ربانية أخرى، وهي: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}، {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

كما بقي إبليس وأنظره ربُّ العالمين إلى يوم الدين ابتلاء للعباد، حيث سأل الربَّ سبحانه: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، فأمهله الله عز وجل اختبارًا لعباده.

وقد حذَّر الله عز وجل عباده من عبادة الشيطان وطاعته: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}.

وأهل الأهواء والزنادقة والملحدون والمنافقون إنما هم أعوان إبليس على فتنة الناس.

وكذلك أبشر الأزهري بأن طعونه وشبهاته المتهافتة حول شيخ الإسلام وغيره من الأمناء من علماء الأمَّة سوف تذروها الرياح، وتصير نسيًا منسيًّا، وإن بقيت فإنها تبقى مع سوء الذكر، ويكون بقاؤها ابتلاء لمن يأتي بعده يُبتلى بها في دينه، فمن تشربها فقد فُتِن؛ ليزداد بها الأزهري سيئات يحملها على ظهره يوم القيامة إلا أن يتوب إلى الله ويتبرأ منها قبل موته.

ومن الأطروحات القلقة التي نبذتها الأمَّة نبذ النَّواة، وأنكرها علماء الأمَّة الثقات: أطروحة ابن عربي الطائي.

فقد أجمع العلماء عبر القرون إلى وقتنا هذا على تكفير ابن عربي، وقد قام د. دغش العجمي في كتابه “ابن عربي: عقيدته وموقف المسلمين منه من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر” بنقل أقوالهم، ومِمّن نقل الإجماع على كفره فيما نقله د. دغش في كتابه:

البقاعي كما في “تحذير العباد من أهل العناد” (194) حيث قال متحدثًا عن ابن عربي وابن الفارض: “وقد كفرهما العلماء بسبب ما نقل من حالهما، وما صدق ذلك من كلامهما، أما ابن عربي، فالمتكلمون فيه كثير جدًّا، وكان له علم كثير في فنون كثيرة، وله خداع كبير غر به خلقًا، فأثنى عليه لأجل ذلك ناس من المؤرخين ممن خفي عليهم أمره، أطبق العلماء على تكفيره وصار أمرًا إجماعيًّا”.وقال العلامة شرف الدين إسماعيل بن المقرئ الشافعي في ما نقله عنه السخاوي في (القول المنبي): “فلما دخلت عدن أوقفني بعض ساكنيها على سؤالات عن أشياء من كلامه، وعليها أجوبة الفقهاء بمصر والشام، وقد أجرو عليه ما يجري على الكافرين من أحكام”.وقال العلامة الأهدل الشافعي في “كشف الغطاء” (217): “وقام القاضي شرف الدين إسماعيل بن المقرئ، ولم يكن قبل ذلك يعرض لشئ من ذلك، فألهمه الله تعالى فطالع “الفصوص” وبعض “الفتوحات”، وأخذ من كلام ابن عربي مسائل، فاستأذن السلطان الناصر في إظهارها واستفتاء الفقهاء فيها، ووعده السلطان بالقيام في نصرة الحق إن أجمع الفقهاء، فظهرت الفضائح فأفتى أكثر فقهاء الوقت بتكفيرهم، بناء على صحة تلك المقالات عنهم، وعلى ما يعرفونه من النصوص في باب الردة، وإن كانوا لم يطالعوا تلك المقالات من كتبه، فبعضهم أطلق التكفير، وبعضهم علق بصحة ذلك”.

ثم قال في (227): “وقد صنَّفت كتابًا في بيان حقائق التوحيد وعقائد الموحدين وبينت مخالفته لهم وقررت تكفيره وتكفير أهل طريقته عند جميع العلماء المحققين من المفسرين والمحدثين والأصوليين والصوفية المحقِّقين وبالله توفيقي”.

ونقل السخاوي في “القول المنبي” عن البلاطنسي الشافعي قوله: “وأما أقوال العلماء فمتفقة على أن ابن عربي من الكافرين ومن المقبوحين”.

وهذه نماذج من عشرات الأقوال التي نقلها د.دغش في كتابه في تكفير ابن عربي الطائي:

قال ابن الجوزي –رحمه الله- في “كيد الشيطان”(64): “وزاد الملاحدة الوجودية على هؤلاء –يعني المشركين- بما قال شيخهم ابن عربي:” إن الولي أعلى درجة من الرسول؛ لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ من الملك الذي يأخذ الرسول منه”، فهو أعلى منه بدرجتين، والمعدن عندهم هو العقل، والملك هو الخيال، والخيال تابع للعقل، وهم –بزعمهم- يأخذون عن العقل، ولهذا صاروا عند أنفسهم فوق الرسول؛ فجعلوا أنفسهم وشيوخهم في التلقي أعلى من الرسول بدرجتين، وإخوانهم من المشركين جعلوا أنفسهم في ذلك التلقي بمنزلة الأنبياء ولم يدعوا أنهم فوقهم”.نقل السخاوي في “القول المنبي”: “أول من علمته طعن فيه منهم العلامة معين الدين أبو بكر بن نقطة”.العلامة ابن الصلاح، ذكره السخاوي وابن فهد في من طعن في ابن عربي كما في “القول المنبي”، ومختصره لابن فهد.قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في (الفتاوى) (2/247): “وحدثني شهاب المزي عن شرف الدين ابن الشيخ نجم الدين بن الحكيم، عن أبيه عن الشيخ إسماعيل الكوراني أنه كان يقول: “ابن عربي شيطان، والحريري شيطان”.ذكر السخاوي في “القول المنبي” عن ابن مرزوق أنه قال: “وأفتى العز بن عبدالسلام وابن الحاجب بتكفيره”.عبد الله بن عبد العزيز بن عبد القوي القرشي المهدوي، تقي الدين أبو محمد له مشيخة سماها: “مجتبى الأزهار فيمن لقيته من علماء الأمصار” ذكر ابن عربي فيها، وقال: “إن فقهاء دمشق شهدوا بتكفيره لما اطلعوا على بعض كلامه”.محمد بن عمر بن علي بن حمُّويَه الدمشقي الكاملي أبو المظفر صدر الدين، له رسالة في ذم ابن عربي انظر ملحق “القول المنبي”.جمال الدين محمد بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي –قاضي حماة- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”(2/243-244): “وحدثني صاحبنا الفقيه أبو الحسن علي بن قرباض عن جمال الدين بن واصل، وشمس الدين الأصبهاني: أنهما كانا ينكران كلام ابن عربي ويبطلانه ويردان عليه…. وأن ابن واصل لما ذكر كلامه في التفاحة التي انقلبت عن حوراء فتكلم معها أو جامعها فقال: “والله الذي لا إله إلا هو، يكذب” ولقد بر في يمينه”. تقي الدين محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المصري المالكي ثم الشافعي، المعروف “ابن دقيق العيد” ذكره ابن طولون الصالحي –رحمه الله- كما في “القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية”(2/538-539): “فيمن يعتقد ضلال ابن عربي ويعده مبتدعًا اتحاديًّا كافرًا”.إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي الرقي الحنبلي، أبو إسحاق نزيل دمشق قال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (14/522 ط غرب): “وممن حط عليه-يعني ابن عربي- وحذر من كلامه الشيخ القدوة إبراهيم الرقي”.عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد القوصي، المعروف بابن نوح ذكره السخاوي في “القول المنبي”:  “ضمن المنكرين على ابن عربي”.سعد الدين الحارثي المصري الحنبلي، قاضي الحنابلة بالقاهرة كما في “العقد الثمين”(2/172-173): “سئل هو وجماعة من العلماء-سيأتي ذكرهم-عن بعض عبارات ابن عربي في “الفصوص” فقال الحارثي في جوابه: “وأجاب القاضي سعد الدين الحارثي قاضي الحنابلة بالقاهرة ما ذكر من الكلام المنسوب إلى الكتاب المذكور يتضمن الكفر ومن صدق به فقد تضمن تصديقه. مما هو كفر يجب في ذلك الرجوع عنه والتلفظ بالشهادتين ثم قال وكل هذه التمويهات ضلالات وزندقة وعبارات مزخرفة، وإشارات إلى ذلك لا يعرفها كل أحد فيعظم الضرر، وكل هذه التمويهات ضلالات وزندقة، والحق إنما هو اتباع كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقول هذا القائل: إنه أخرج الكتاب بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنام رآه، فكذب منه على رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم”.ومحمد بن يوسف شمس الدين الجزري الشافعي: قال في “العقد الثمين”(2/173-174)و “الفتح الرباني”(2/1027)وغيرها إجابة على السؤال الموجه للحارثي وغيره من العلماء: “الحمد لله، قوله-أي: ابن عربي-: “فإن آدم إنما سمي إنساناً…”إلى آخره تشبيه وكذب باطل، وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، لا يُقَرُ قائله عليه، وقوله: “إن الحق المنزه هو الخلق المشبه” كلام باطل متناقض وهو كفر…..”إلى آخر ماقال.عماد الدين الواسطي الشافعي ثم الحنبلي المعروف بـ”ابن شيخ الحزاميين” ألف ثلاث رسائل في ضلال ابن عربي ومن تبعه، كل واحدة منها في كراسة:

الأولى: “البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد و التوحيد”.

الثانية: “لوامع الإرشاد في الفرق بين التوحيد و الإلحاد”.

الثالثة: “أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص”.

ذكر هذه الثلاثة: البقاعي في”تنبيه الغبي”(140) والسخاوي في “القول المنبي”.

وقال ردًّا على قول ابن عربي في “الفصوص”(1/62): “ولست سوى عينه، فاختلط الأمر وانبهم” وكفى بهذا كفراً، حيث يعتقد أن الحق ليس سوى العبد، وأن الأمر اختلط وانبهم فصار لا يتميز الخالق من المخلوق، ولا المخلوق من الخالق، نقله عنه السخاوي في “القول المنبي” ونقل أيضاً قوله عن ابن سبعين وابن عربي: “معاشر العلماء! فهل مع هؤلاء من الإسلام شئ؟!” إلى أن قال: “أين حال هؤلاء من حال السكارى؟! بل هم زنادقة، ولولا الملامة لنقلت من كلامه شيئاً كثيراً يصرح بالكفر والزندقة ولا يكني، وفي ذلك- كفاية للفطن اللبيب إن شاء الله تعالى، والواجب التحذير من زندقة هؤلاء، وإعلان أمرهم بين الناس لئلا يقعوا في هذه الطامات الموجبة للكفر المخرجة من دين الإسلام”.

أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلْطَانَ بْنِ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْقَاضِي شُقَيْرٍ قال الذهبي كما في “معجم الشيوخ”(1/48-49): “اشْتَغَلَ وَحَصَّلَ، ثُمَّ تَرَكَ، وَتَجَرَّدَ وَصَحِبَ الْفُقَرَاءَ الْمُجَرَّدِينَ الْحَرِيرِيَّةَ، وَاتُّهِمَ بِالاتِّحَادِ، وَقَدْ أَرَاهُ شَيْخُنَا مَا فِي فُصُوصِ الْحِكَمِ مِنَ الْبَلايَا فَتَبَرَّأَ مِنْهَا، وَقَالَ: مَاكُنْتُ أَعْرِفُ”.قال إبراهيم الحلبي في “نعمة الذريعة”(128): “فالويل كل الويل لمن اطلع على هذا الإلحاد، ثم يعتقده مسلماً فضلاً عن اعتقاده وليًّا”.

وقال في”تسفيه الغبي”(44) عن ما نقله السيوطي عن ابن عربي أنه قال: “نحن قوم يحرم النظر في كتبنا”، أقول هذا هو البله بل السفه، وهل الولي يضيع زمانه فيما لا يفيد؟ فإذا كان يحرم النظر فيها، فلأي شيء يصنِّفها ويمتدح بما أودع فيها، ويمدحه ويدعوا لأتباعه ويذمُّ من يخالفه”.

قلت: وكذلك تتابع على تكفير ابن عربي وذمِّه عدد من أئمة أهل البدع والأهواء من الصوفية والأشاعرة ونحوهم، وهذه نماذج من أقوالهم:

ابن مسدي: نقل السخاوي في “القول المنبي” عنه أنه قال في ابن عربي: “ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات؛ لهذا ما ارتبت في أمره”.عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام الشافعي الأشعري، أبو محمد المعروف بـ”سلطان العلماء”، سئل عن ابن عربي فقال: “شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجًا”، نقله عنه الذهبي في “سير أعلام النبلاء”(23/225، 48-49).قال نجم الدين الحكيم الصوفي كما نقل الذهبي في “تاريخ الإسلام”(15/347-348 ط الغرب) في ترجمة ابن إسرائيل: “وسلك في نظمه مسلك ابن الفارض وابن عربي…، وقد حضر مرّةً وقتًا وفيه نجم الدين ابن الحكيم الحموي، فغنى لهم القوال بقوله:

وما أنت غير الكون بل أنت عينه … ويفهم هَذَا السّرّ مَن هُوَ ذائِقُ

فقال ابن الحكيم: كفرت كفرت”.

رشيد الدين الحنفي البصروي: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”(2/244): “وَحَدَّثَنِي ابْنُ بُحَيْرٍ عَنْ رَشِيدِ الدِّينِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: كَان –أي ابن عربي- يَسْتَحِلُّ الْكَذِبَ، هَذَا أَحْسَنُ أَحْوَالِهِ”.قطب الدين ابن القسطلاني الصوفي ألَّف كتابًا في ابن عربي وطائفته، انظر “تنبيه الغبي”(139).برهان الدين إبراهيم بن معضاد الجعبري الشافعي الصوفي:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”(2/240): “وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحَدُ أَعْيَانِ الْفُضَلَاءِ: أَنَّهُ سَمِعَ الشَّيْخَ إبْرَاهِيمَ الجعبري – رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ – يَقُولُ: رَأَيْت ابْنَ عَرَبِيٍّ – وَهُوَ شَيْخٌ نَجِسٌ – يُكَذِّبُ بِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَبِكُلِّ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ. وَلَقَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ؛ وَلَكِنَّ هَذَا بَعْضُ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ الْكُفْرِ”.

ابن نور الدين الجعبري الطبيب الصوفي: قال تلميذه أحمد بن محمد السمناني فيما نقله عنه السخاوي في “القول المنبي”: “وأما ما قلت ورويت عن الشيخ نور الدين عبد الرحمن فإني قد صحبته اثنين وثلاثين سنة، فما جرى على لسانه شئ من ذلك، بل كان لا يزال يمنع مطالعة مصنفات ابن العربي بحيث أنه لما سمع أن جماعة من أئمة زمانه اشتغلوا بدرس “الفصوص” راح إليهم في الليل، وأخذ الكتاب من أيديهم فحرقه وقطعه ومنعهم بالكلية عن ذلك”.العلاء أبو الحسن التبريزي القونوي الشافعي الصوفي: قال الحافظ الذهبي كما في “ذيل تاريخ الإسلام”(333): حدثني ابن كثير “أنه حضر مع المزي عنده –القونوي- فجرى ذكر “الفصوص” لابن عربي، فقال: لا ريب أن هذا الكلام فيه كفر وضلال، فقال صاحبه الجمال المالكي: أفلا نتأول يا مولانا؟ قال: لا، إنما نتأول قول المعصوم”علي بن عبدالكافي السبكي الشافعي: قال في باب الوصية في شرحه على “المنهاج”: “ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره، فهم ضلال جهال، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلا عن العلماء” نقله البقاعي في “تنبيه الغبي”(143).عبدالرحمن بن أحمد الإيجي القاضي الشافعي الأشعري المعروف بـ”عضد الدين الإيجي” رأس الأشاعرة في زمانه قال -كما في “الرد على أباطيل كتاب “الفصوص” لابن عربي” للتفتازاني (233)-: “سئل عن كتاب ابن عربي “الفتوحات المكية” فقال: “أفتطعمون من مغربي -يابس المزاج بحَرِّ مكة ويأكل الحشيشة- غير الكفر”.القاضي سراج الدين عمر بن إسحاق بن أحمد الهندي الغزنوي الحنفي أبو حفص قاضي الحنفية بالديار المصرية: كان من المكفِّرين لابن عربي، كما نقل ذلك السخاوي في “القول المنبي”.سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الأشعري: له كتاب رد فيه على ابن عربي وسماه “الرد على أباطيل كتاب “فصوص الحكم” لابن عربي” وقال عنه فيه في (235):”مميت الدين”، وقال في (244): “من تدين بدينهم –يعني ابن عربي وأمثاله- فهو أكفر الكافرين وأخسر الخاسرين”.العلاء البخاري الحنفي الصوفي الأشعري: له رسالة في الرد على ابن عربي “فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين” أثبتها البقاعي كما في “تنبيه الغبي”(39-164) والسخاوي في “القول المنبي” كفَّره فيها وكفَّر طائفته، وكان يقول عن ابن عربي: “أكفر الكافرين”.جمال الدين عبدالله بن علي بن يوسف الدمشقي ثم القاهري  الشافعي القادري يعرف بـ”ابن أيوب”: كان ينفر من كلام ابن الفارض وابن عربي، ويحطُّ عليهما كما في “الضوء اللامع”(5/37)، ونقل كلام والده في تكفير ابن عربي.ابن الفالاتي الشافعي المصري: قال السخاوي في “الضوء اللامع”(8/198): “حتى إنه في كائنة جرت خطب في الحطِّ على ابن عربي وغيره من الاتحادية مصرحًا بالنّكار على منبر الأزهر”.

وقال السخاوي قرأت بخطه ما نصه –ومنه-: “والذي بان به رب الخلق أجمعين أنه رجل من الكافرين –يعني:ابن عربي- فلقد كفر من زعم أن مع الله آلهة آخرى فكيف من اعتقد جميع الموجودات آلهة؟! وناضل على هذا وفاخر، فعليه لعنة الله والملائكة والملائكة وجميع العباد….”.

أبو زكريا المناوي القاهري الشافعي الصوفي: قال السخاوي في ترجمته كما في “الضوء اللامع”(10/256): كتب بخطه ما نصه –ومنه-: “وأما ما يذكر في هذين الكتابين-يعني “الفصوص”و “الفتوحات” ولم أقف عليهما مما هو كفر صريح …..” إلى أن قال: “ومن اعتقد ظاهر هذا الكلام كفر”.قال السيوطي في “تنبئة الغبي بتبرئة ابن عربي” قال: “اختلف الناس قديماً وحديثًا في ابن عربي: ففرقة تعتقد ولايته-وهي المصيبة- ….إلخ”.

قال الشيخ أمين الدين الأقسرائي -وكان رئيس الحنفية بمصر في زمانه- لما ذكر عنده قوله: وهي المصيبة، قال: نعم، هي المصيبة والداهية العظمى، ولقد صدق في أن القول بولايته هي الداهية والمصيبة”.

قلت: فلم يسلم ابن عربي من بعض أئمة التصوف والأشاعرة؛ حتى كالوا له هذه الاتهامات الشديدة، فماذا يُنتظَر من أئمة السنة؟!

بل لقد قال ابن سبعين –إمام الاتحادية- كما في “العقد الثمين”(2/199): “إن تصوف ابن عربي فلسفة سمجة،” قال تقي الدين الفاسي معلقًا: “وهذا كلام مشهور عن ابن سبعين، ويا ويح من بالت عليه الثعالب”، قلت: وهذا من باب شهد شاهد من أهلها؛ لأن ابن سبعين يضاهيه في الكفر.

وكذلك صنَّف برهان الدين البقاعي رسالتين في بيان أسباب تتابع العلماء على تكفير –صنو ابن العربي- ابن الفارض، وهما:

الأولى: ” وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد” (ضمن كتاب “مصرع التصوف” للشيخ عبدالرحمن الوكيل).

والثانية: “صواب الجواب للسائل المرتاب المجادل المعارض في كفر ابن الفارض” (ملحقة بالبحث الجامعي: “جهود البقاعي في محاربة إلحاد الاتحادية”).

فابن عربي الطائي هو شيخ الوجودية، وابن الفارض شيخ الاتحادية، وكلاهما فاق كفره كفر اليهود والنصارى كما قرَّر هذا ثقات العلماء الأفذاذ.

فما هو قول الأزهري وشيخ الأزهر في هؤلاء العلماء الذين نبذوا الأطروحة الكفرية لابن عربي، وبيَّنوا زندقته وإلحاده الواضح وضوح الشمس؟!

والجواب واضح عند الأزهري: وهو أنهم لا يقبلون أطروحة ابن تيمية –على حدّ تعبير الأزهري-، التي قامت على معتقد ومنهج السلف الصالح، وفي الجانب الآخر يدافعون عن ابن عربي إمام الضلالة.

وإن كان ابن تيمية حاربه علماء عصره –كما يدَّعي الأزهري- فإنما حاربوه لتمسكه بالسنة وذبِّه عن عقيدة الصحابة والسلف الصالح، وأما ابن عربي الطائي فقد حاربه علماء عصره وكفَّروه؛ لأنه دافع عن أصول أرسطو وغيره من الفلاسفة، ولم يفرّق بين الإسلام وغيره من الملل الكافرة، وجعل إلهه هو الوجود كلّه.

… يتَّبع إن شاء الله.