تفريغُ الْكَلِمَة التّوْجِيهيّة : ” ثُمَّ مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ ” لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ الأَعْلَى خَالِد بْن عُثْمَانَ الْمِصْرِيّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالَّتِي كَانَت مُوَجَّهَةً إلَى الْإِخْوَةِ فِي مَدِينَةٍ جْدِيوْيَة بِمُحَافَظَة غِلِيزَان غَرْب الجَزَائِر .
الْحَمْد للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ والسّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْأَمِين ، وَعَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْخَامِسِ مِنْ شَوَّالٍ 1441 هِجْرِي . نَلْتَقِي بِفَضِيلَة الشَّيْخِ خَالِد بْن عُثْمَانَ أَبِي عَبْدِ الأَعْلَى الْمِصْرِيّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلِمَةٍ تَوْجِيهيَّة إلَى الْإِخْوَةِ فِي مَدِينَةِ جْدِيوْيَة بِمُحَافَظَة غِليزَان غَرْبَ الجَزَائِر . فَلْيَتَفضَّل الشَّيْخُ مَشْكُورًا مَأْجُورًا ؛
” بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاه. أَمَّا بَعْدُ :
وَقَدْ انْتَهَى شَهْرُ رَمَضَانَ سَرِيعًا كَمَا هِيَ الْعَادَةُ فِي كُلِّ عَامٍ ، النَّفْسُ إذَا اعْتَادَتْ عَلَى النَّشَاطِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ تَحْدُثَ لَهَا فَتْرَةٌ بَعْدَ رَمَضَانَ ، بَعْدَ أَنِ اعْتَادَ الْمُؤْمِنُ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعَلَى عَمَلِ الصَّالِحَات عَامَّةً ، وَعَلَى صَفَاءِ النَّفْسِ نَظَرًا لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ مُصَفَّدَةً فِي رَمَضَانَ وَقَلَّ إِغْوَاءُهَا وَضَعُفَ تَأْثِيرُهَا وَلِهَذَا كَانَتِ النُّفُوسُ إِلَى حَدٍّ مَا تَشْعُرُ بِرَاحَةٍ وَسَكِينَةٍ، ولَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي أَخْلَصَ فِي صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَفِي تَحَرِّيهِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ لَيَالِي الْأَخِيرَة ، يُرْجَى لَهُ أَنَّهُ بَعْدَ رَمَضَانَ وَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَتْرَة الَّتِي قَدْ لَا يَخْلُو مِنْهَا أَحَدٌ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَلِأَنَّ النَّفْسَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَمِرَّ عَلَى حَالَِةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى ” (١) .
فَلَا بَأْسَ أَنْ تَحْدُثَ هَذِهِ الْفَتْرَةُ وَلَكِنْ لَا تَكُونُ إلَى فُجُورٍ أَوْ ابْتِدَاعٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ وَإنَّمَا تَكُونُ فَتْرَةً ؛ أَيْ شَيْءٌ مِنَ – نَعَم – الشُّعُورِ بِالتَّعَبِ أَوْ الْحَاجَةِ إلَى رَاحَةٍ لِلْبَدَنِ أَوْ رَاحَةٍ – يَعْنِي – مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَاتِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ بَلَغَ ذِرْوَتَهُ فِي الْعَشْرِ لَيَالِي الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ لأَنَّ هَذَا كَانَ دَأْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ كَان يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا فِي طُولِ الْعَامِ ، وَبِلَا شَكٍّ يَكُونُ الْعَبْدُ الَّذِي لَزِمَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ اجْتِهَادُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ أَشَدَّ وَأَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الْعَامِ هَذَا أَمْرٌ عَادِيٌّ ، ولَكِنَّ الْإِشْكَالَ أَنْ تُؤَدِّيَ هَذِهِ الْفَتْرَةُ إلَى أَنْ يَنْزِلَ نُزُولًا يُؤَدِّي بِهِ إلَى مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – ؛ هَذَا هُوَ الْإِشْكَال . نَعَمْ هُوَ لَيْسَ مَعْصُومًا ؛ قَدْ يَقَعُ فِي مَعْصِيَةٍ ، قَدْ يُخْطِئُ ، هَذَا أَمْرٌ وَارِدٌ ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيّ لَيْسَ مَعْصُومًا ، ” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” (135) – آلِ عِمْرَانَ –
هَذَا أَهَمُّ أَمْرٍ ، أنّه لَا يُصِرُّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، إذَا عَصَى أَوْ ضَعُفَ تَابَ ، صَارَ بِالتَّوْبَةِ ، إذَا ذُكِّر تَذَكَّرَ ، وَإِذَا نُبِّهَ تَنَبَّهَ ، لَا يُصِرُّ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَا خَطَأ .
وَلِهَذَا نُذَكِّرُ أَنْفُسَنَا، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ فَرَحًا عَظِيمًا ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ قَصَّرَ فِي رَمَضَانَ أَوْ لَمْ يَقُمْ بِالطَّاعَات الَّتِي بِهَا – يَعْنِي – يُحَقِّقُ زِيَادَةً فِي الْإِيمَانِ وَإنَّمَا لَمْ يُدْرِكْ هَذَا وَأَرَادَ أَنْ يَتُوبَ لَا نُغْلِقُ بَابَ التَّوْبَة، لَا نَمْلِكُ ذَلِك ، نَقُولُ : لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَكَ إلَى التَّوْبَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ ، لَا تَيْأَسْ وَلَا تَقْنَطْ
، عَجِّلْ بِالتَّوْبَة . إنَّ اللَّهَ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ أَشَدَّ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ لَهُ رَاحِلَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ ثمّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ، ثُمَّ نَامَ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ ثُمَّ إذْ بِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَيْقِظ يَجِدُ رَاحِلَتَهُ أَمَامَهُ فَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا حَتَّى قَالَ : اللَّهُم أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك . أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ، فَاللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ فَرَحِ هَذَا الرَّجُلِ . فَانْظُرُوا إِلَى رَحْمَةِ اللَّطِيفِ الْوَدُودِ الغَنِيِّ عَنْ هَذَا الْعَبْد ، الغَنِيِّ عَنْ تَوْبَتِه وَرُغْم ذَلِكَ يَفْرَحُ بِهَا بَلْ يَنْزِلُ سُبْحَانَهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ يُنَاجِي عِبَادَهُ رُغْمَ غِنَاهُ عَنْهُم ، يُنَاجِيهِم ، يَقُولُ : هَلْ مِنْ تَائِبٍ ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ – سُبْحَانَه – . هَذَا لِأنَّهُ وَدُودٌ يَتَوَدَّدُ إِلَى عِبَادِهِ رُغْمَ غِنَاهُ عَنْهُم ، يَلْطُفُ بِهِمْ رُغْمَ غَفْلَتِهِمْ وَيَرْحَمُهُمْ رُغْم تَعَدِّيهِم ، بَلْ قَدْ يَغْفِرُ لِأَحَدِهِم غُفْرَانًا عَظِيمًا . قَدْ يَأْتِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا وَلَكِنَّهُ يَأْتِي مُوَحِّدًا لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ ، يَأْتِي أَحَدُهُم بِتِسْعٍ وَتِسْعِينَ سِجِلًّا مِنْ الْمَعَاصِي ، وَلَكِنَّهُ يَأْتِي بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ فإِذْ بِرَبِّهِ يَغْفِرْ لَهُ ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِاللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْرُهُ (٢) .
فَتَأَمَّلْ – عَبْدَ اللَّهِ – رَحْمَةَ اللَّهِ ولُطْفَ اللَّهِ وَفَرَحَ اللَّهِ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ ، وتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ – سُبْحَانَه – الْجَلِيلَةِ الْعَظِيمَة ، تَأَمَّلْ أَقْدَارَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ أنَّهُ سُبْحَانَه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ بَيْنَ أَمْرٍ وَنَهْيٍ ، وَإِغْنَاءٍ وَإِفْقَارٍ ، وَإِعْطَاءٍ وَمَنْعٍ ، وَإِحْيَاءٍ وَإِمَاتَةٍ ، سُبْحَانَهُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ، بِيَدِه الْمِيزَانُ ، بِيَدِهِ الْقِسْطُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ، فَتَأَمَّلْ يَا عَبْدَاللَّه تَأَمَّلْ وَاعْرِفْ قَدْرَ نَفْسِكَ وَالْجَأْ إِلَى رَبِّكَ وَاسْتَعِنْ بِه وحَقِّقِ التَّوْحِيدَ ، حَقِّقِ التَّوْحِيدَ .
إنَّ التَّوْحِيدَ الْخَالِصَ أَصْلُ النَّجَاة وَأَصْلُ السَّعَادَةِ وَأَصْلُ السَّلَامَةِ مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ وَمِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ والجِنِّ وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ وَسُوءٍ . وَاعْتَصِمْ بِرَبِّكَ فَإنَّهُ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُثَبِّتَنَا وَإِيَّاكُمْ وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِِنْ قَلَّ ، فَدَاوِمُوا حَفِظَكُمْ اللَّهُ وَرَعَاكُمْ .
كُونُوا كَمَا أَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا ؛ ” إنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ” ، فَكَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ عَمَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : ” إنّ عَمَلَهُ كَانَ دِيمًا إذَا عَمِلَ شَيْئًا لَزِمَهُ ” دَاوَمَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْقَلِيلُ . وَلِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ أَتَوْا كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عَمَلِ النَّبِيِّ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهُ ، يَعْنِي : شَعَرُوا أنَّهُ قَلِيلٌ . فَقَالُوا : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَظَنُّوا أنَّهُمْ سَوْفَ يَجْتَهِدُونَ أَكْثَر فَلَمّا عَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ ، غَضِبَ وَقَالَ : ” إنّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنَامُ وَأَقُومُ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ” فَلَا تَعْنِي الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِأَنْ يَتَكَلَّفَ بِأَنْ لَا يُطِيق ، ” لَا تَكْلَفُوا مَا لَا تُطِيقُونَ “
كَذَا أَمَرَ ، بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ” إنّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ” ، ” لَا تَكْلَفُوا مَا لَا تُطِيقُونَ ” وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ تُصَلِّي اللَّيْلَ وَكَانَت كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَت تَعَلَّقُ بِحَبْلٍ – وَكَذَلكَ زَيْنَب – لَمَّا كَانَت تَتَعَلَّقُ بِحَبْلٍ إذَا فَطَرَتْ تَعَلَّقَت
فلمّا عَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِحَلِّ هَذَا الْحَبْلِ وَقَالَ : ” مَهْ ، عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ ” عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ ، فَالِاجْتِهَادُ لَا يَعْنِي التَّكَلُّف ، وَالِاجْتِهَادُ لَا يَعْنِي التَّنَطُّع ، وَالِاجْتِهَادَ لَا يَعْنِي الغُلُوّ ، وَالِاجْتِهَادُ لَا يَعْنِي أَنْ تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ فِعْلَ المُتَصَوِّفَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ نُفُوسَهُم ، يَقُولُ : أُعَذِّبُ نَفْسِي ، لَا تُعَذِّبْ نَفْسَك ، إنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِكَ لِنَفْسِكَ.
فَهَذَا الصُّوفِيُّ الْجَاهِلُ -يَعْنِي- يَسْلُكُ مَسْلَكَ الهِنْدُوسِ وَالْبَرَاهِمَةِ مِنْ عُبَّادِ الْعُجُولِ وَعُبَّادِ الْأَبْقَارِ وَعُبَّادِ الشَّيَاطِينِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ بِهَذَا يُحْسِن صُنْعًا ، وَلِذَلِك سَيِّدْ قُطْب – رَأْسُ الْخَوَارِجِ فِي هَذَا الْعَصْرِ – كَانَ يُعَظِّمُ شَأْنِ هَؤُلاءِ الهِنْدُوسِ ، يُعَظِّمُ شَأْنَ عِبَادَتِهِم تَحْتَ دَعْوَى أَنّهُمْ يَتَرَيَّضُونَ فِي الْعِبَادَةِ ، يَفْعَلُونَ عِبَادَةً فِيهَا تَرَيُّض ، وَمِنْ هُنَا وَقَعَ فِي مَدْحِ غُلَاةِ المُتَصَوِّفَةِ أَيْضًا .
هَؤُلَاءِ عَلَى ضَلَالٍ ، لَيْسَ اجْتِهَادُهُم هُدًى وَلَيْسَ اجْتِهَادُهُم مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّه ، بَلْ هُمْ وَاللَّهِ فِي بُعْدٍ وابْتِعَادٍ وَفِي ضَلَالٍ وَانْحِرَافٍ يَبْتَعِدُونَ ؛ كُلَّمَا وَافَقُوا هَذِهِ الْأَهْوَاء يَبْتَعِدُونَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَيَعِيشُونَ فِي وَهْمٍ عَظِيمٌ .
فَاحْذَر عَبْدَاللَّه مِنْ طُرُقِ الضَّلَال وَالْزَمِ السُنَّةَ وَالْزَمِ الوَسَطِيَّةَ وَالْزَمِ القَصْدَ القَصْدَ ، والقَصْد القَصْد فِي اتِّبَاعِ السُنَّة .
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّم.
(١) : “لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ ، ولكلِّ شِرَّةٍ فترةٌ ، فمَن كَانَت فترتُهُ إلَى سُنَّتِي فَقَد اهتدَى ، ومَن كَانَت فترتُهُ إلَى غيرِ ذلكَ فَقَد هلكَ”
الرَّاوي : عَبْداللَّه بْنِ عَمْرِو | الْمُحَدِّث : الْأَلْبَانِيّ | الْمَصْدَر : صَحِيحٌ التَّرْغِيب | الصَّفْحَة أَوْ الرَّقْم : 56 | خُلَاصَةِ حُكْمِ الْمُحَدِّث : صَحِيحٌ | التَّخْرِيج : أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (6764) وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ (2105) ، وَابْنُ حِبَّانَ (11) .
(٢) : “إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رؤُوسِ الخلائقِ يومَ الْقِيَامَة فينشُرُ عَلَيْه تسعةً وتسعينَ سِجِلًّا ، كلُّ سِجِلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثُمّ يقولُ : أتُنكِرُ مِنْ هَذَا شيئًا ؟ أظلَمَكَ كَتَبتي الحافظونَ ؟ يقولُ : لَا يَا ربِّ . فيقولُ : أفَلَكَ عُذرٌ ؟ فيقولُ : لَا يَا ربِّ ، فيقولُ : بَلَى إنَّ لكَ عِنْدَنَا حسنةًَ وإنِّه لَا ظلمَ عليكَ اليومَ ، فيُخرِجُ بِطاقةً فِيهَا أشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، فيقولُ : احضرْ وزنَك ، فيقولُ : يَا ربِّ مَا هذهِ البِطاقةُ معَ هَذِه السِّجِلَّاتِ ؟ فَقَال فَإِنَّك لَا تُظلَمُ . قَال : فتوضعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ والبطاقةُ فِي كِفَّةٍ فطاشتِ السِّجِلَّاتُ وثقُلتِ البِطاقةُ ، وَلَا يَثقُلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ . “
الرّاوي : عَبْداللَّه بْنِ عَمْرِو | الْمُحَدِّث : التِّرْمِذِيّ | الْمَصْدَر : سُنَن التِّرْمِذِيِّ | الصَّفْحَة أَوْ الرَّقْم : 2639 | خُلَاصَة حُكْمِ الْمُحَدِّث : حَسَنٌ غَرِيبٌ .