سخاوة وحسن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوته في الحق وأثر هذا في نشر الدعوة

سخاوة وحسن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوته في الحق

وأثر هذا في نشر الدعوة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه،

أما بعد، فقد قال الله تَعَالَى في حقّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.

وفي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: “وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا”، أخرجه مسلم (1213).

وفي حديث عَائِشَةَ في بدء الوحي: “كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ”، أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160).

ومن سخاوته وحسن خلقه كما قال ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: “مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ”، أخرجه البخاري (6034)، وبوَّب عليه: بَابُ حُسْنِ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ.

وأخرج بعده برقم (6035) عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يُحَدِّثُنَا، إِذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا»، وأخرجه مسلم (2321).

ومن حسن خلقه رفقه بخادمه أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حيث قَالَ: “خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ”، أخرجه البخاري (6038).

بل كما قال أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ»، أخرجه البخاري (6101)، ومسلم (2320).

وأخرج البخاري (2125) عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: “أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا”.

ومن سخاوته وحسن خلقه: الوفاء بالعهد ولو مع الكافر: أخرج مسلم (1787) من حديث أبي الطُّفَيْلِ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ».

وأخرج البخاري (3139) من حديث مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».

قال ابن الجوزي في “كشف مشكل الصحيحين” (4/46): “وَإِنَّمَا خص الْمطعم بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لما مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَمَاتَتْ خَدِيجَة خرج إِلَى الطَّائِف وَمَعَهُ زيد بن حَارِثَة، فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فِي جوَار الْمطعم بن عدي، فَأحب مكافأته لَو أمكن”.

وقال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (ص163): “يكافئ المطعم بإجارته له بمكة والمطعم كافر غير معاهد فعلم أن مؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم يتعين إهلاكه والانتقام منه بخلاف الكاف عنه وإن اشتراكا في الكفر كما كان يكافئ المحسن إليه بإحسانه وإن كان كافرًا”.

قلت: وانظروا إلى إحسان النبي لثمامة كانت سببًا في إسلامه:

أخرج البخاري (4372)، ومسلم (1764) من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ وَاللَّهِ، لاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وفي حديث ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ»، أخرجه البخاري (2820).

وأخرج البخاري (6024)، ومسلم (2165) من حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ”.

قلت: ومن رأفته وحسن خلقه وسخاوة نفسه صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يداعب أصحابه ويمزح معهم، لكن لا يقول إلا حقًّا، من هذا: ما أخرجه معمر في الجامع (10/454) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ أَوْ حِزَامٍ، وَكَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِينَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ»، قَالَ: وَكَانَ يُحِبُّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ فَقَالَ: «أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟» فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لسَتَ بِكَاسِدٍ، – أَوْ قَالَ: – لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ»، وإسناده صحيح، وأخرجه من طريق عبدالرزاق عن معمر كلٌّ من: أحمد في مسنده (20/90)، والترمذي (1745)، وأبو يعلى في مسنده (6/173).

لكن هذه السخاوة وحسن الخلق لا تعني أنه كان يتهاون في حقوق الله أو يداهن فيها أو يتنازل عنه تحت دعوى التيسير والرفق، بل كما قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا»، أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2327).

وأخرج معمر في الجامع (11/339)، والترمذي (2180) عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حُنَيْنٍ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ».

قال محمد بن الوليد، أبو بكر الطرطوشي الفهري (ت 520هـ) في “الحوادث والبدع” (ص38/ط ابن الجوزي): “فانظروا – رحمكم الله – أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق؛ فهي ذات أنواط؛ فاقطعوها”.

وقد نقل أبو القاسم شهاب الدين عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسي المشهور بأبي شامة (ت 665هـ) في “الباعث على إنكار البدع والحوادث” هذا التعليق من الطرطوشي ثم قال بعده:

“وَلَقَد أعجبني مَا صنعه الشَّيْخ أَبُو اسحق الجبيناني رَحمَه الله تَعَالَى أحد الصَّالِحين بِبِلَاد إفريقية فِي الْمِائَة الرَّابِعَة حكى عَنهُ صَاحبه الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس الْمُؤَدب أَنه كَانَ الى جَانِبه عين تسمى عين العافيه كَانَت الْعَامَّة قد افتتنوا بهَا ياتونها من الْآفَاق من تعذر عَلَيْهَا نِكَاح أَو ولد قَالَت امضوا بِي الى الْعَافِيَة فتعرف بهَا الْفِتْنَة قَالَ أَبُو عبد الله فانا فِي السحر ذَات لَيْلَة اذ سَمِعت أَذَان اسحق نَحْوهَا فَخرجت فَوَجَدته قد هدمها وَأذن الصُّبْح عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي هدمتها لَك فَلَا ترفع لَهَا رَأْسا قَالَ فَمَا رفع لَهَا رَأس الى الْآن”.

وقال محمد بشير السهسواني الهندي (ت 1326هـ) في “صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان” في (450): “قال العلامة الإمام حسن بن خالد -رحمه الله- في “منفعة قوت القلوب في إخلاص توحيد علام الغيوب”: ومن هنا تعلم أن من صرف شيئاً من العبادة إلى غير الله فقد اتخذه إلهًا ربًّا، أما كونه اتخذه إلهًا فقد صار له مألوهًا والمألوه المعبود، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه -وقد سأله بعض حديثي الإسلام منهم أن يجعل لهم ذات أنواط فقال: “الله أكبر، هذا كما قال بنو إسرائيل اجعل لنا إلهًا، كما لهم آلهة لتركبن سنن من كان قبلكم” أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه النسائي عن أبي واقد الليثي، مع أنهم لا يعبدون الشجرة ولا يسألونها، بل ينوطون بها أسلحتهم ومتاعهم، فجعل اتخاذهم لها لذلك اتخاذ آلهة، فما الظن بقصد مخلوق معظم لدعائه والهتف به عند الشدائد، فأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بمن توحي إليهم الشياطين؟ وأما كونه قد اتخذه ربًّا فلتشبيهه لله في الربوبية، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً}”.

 

والله المستعان وعليه التكلان.

وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلّم.

وكتب

أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري

صباح السبت 21 ربيع الأول 1442

https://abuabdelaala.net/wp-content/uploads/2020/11/سخاوة-وحسن-خلق-رسول-الله-.pdf