سلسلة شهادتي على الصعافقة وإفسادهم للدعوة السلفية في الجنوب الليبي

 

 

سلسلة

شهادتي على الصعافقة وإفسادهم للدعوة السلفية في الجنوب الليبي

    *( الجزء الأول )*   

كتبه: د/ رافـــع رمضان المجبري نائب رئيس أوقاف ليبيا (سابقًا)

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد، فقد قال الله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة}، وقال تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله}، وقال تعالى {ستكتب شهادتهم ويسألون}، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.

وعن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله؛ لأن الله يقول: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} وشهادة الزور، وكتمان الشهادة؛ لأن الله عز وجل يقول{ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}. أخرجه ابن جرير.

فلما كثُر سؤال بعض الأخوة عن أمور حصلت في الجنوب الليبي متعلقة بالدعوة السلفية هناك، ولما رأينا أن الكثير من السلفيين قد لُبّس عليهم من خلال الأكاذيب والافتراءات الباطلة من قِبل الصعافقة الذين يتواصلون معهم ؛ كان لزاماً علينا ذكر شهادتنا حول هذه القضايا والمواقف والمشاكل والفتن التي أثارها الصعافقة، وأساءوا بسببها إلى الدعوة السلفية، وكانوا سبباً في أن يشمَت بنا أهل الأهواء والبدع من الصوفية وغيرهم، خصوصاً وأنهم قد ألصقوا هذه الفتن والقلاقل بالسلفيين الواضحين الصادقين الذين تمسكوا بأصول المنهج السلفي وطبقوها على الكبير والصغير.

فقد ظهر تنظيم الصعافقة واندسَّ في الصف السلفي، وبدأ منذ فترة طويلة في الكيد للمنهج السلفي ولأهله وأخذ ينخر فيه من الداخل، وقد ظهر فسادهم وإفسادهم وتحريشهم على أهل السنة والجماعة منذ سنوات، حتى سلّط الله سبحانه وتعالى عَلَماً من أعلام الأمة ورأساً من رؤوس المنهج السلفي، ففضحهم وأظهر عوارهم وكشف مخططاتهم.

والناظر المتأمل في حال الدعوة السلفية في الحقبة الأخيرة يعلم أنّ هؤلاء الصعافقة أفسدوا فساداً عريضاً، وشوّهوا صورة الدعوة السلفية في جميع أقطار الأرض؛ وفي هذه الشهادة نذكر إفساد الصعافقة للدعوة السلفية في الجنوب الليبي.

فأقول مستعيناً بالله القوي العزيز:

أولاً: حال الجنوب الليبي:

يتكون الجنوب الليبي من عدة مُدن هي: الشاطئ وسبها وأوباري وغات ومرزق وتراغن والقطرون، وأما القرى فهي تزيد على السبعين قرية ، وفي عقد الثمانينيات دخلتْ على الجنوب دَعَوَات مختلفة مختلطة ارتبط فيها كثير من الشباب بدعاة التهييج المخالفين للمنهج السلفي وقليلٌ هم الذين عرفوا علماء أهل السنة والجماعة ، وأما الصوفية فقد كانت ضاربة أطنابها منتشرة عقائدهم وخرافاتهم من خلال الزوايا الصوفية التي تملأ المُدن والقرى.

ومن المعلوم أن أهل الجنوب الليبي يهتمون بتعليم القرآن الكريم منذ القِدم؛ حيث كان تعليم القرآن في الماضي مختصاً بالزوايا الصوفية، وكان المدرسون جُلّهم – إن لم يكونوا كلهم – على غير المنهج السلفي، وبالتالي لا تجد أثر القرآن الكريم على سلوك الطالب ولا على سلوك المدرس إلاّ قليلاً منهم، ثم أصبح تعليم القرآن الكريم في المساجد من خلال مراكز التحفيظ ، وكثرة من يحفظون القرآن الكريم في الجنوب الليبي ظاهرة موجودة منذ القِدم؛ خصوصاً حي الجديد في سبها، وكذلك مدينة مرزق التي خرج منها بعض المدرسين ليُدرّسوا في تمبكتو بمالي، لذلك تجد الغالب على أهل الجنوب السمت والتدّين والاستعداد لقبول الحق، وهذا ما جعل دُعاة الضلال والسحرة والمشعوذين من النساء والرجال يجدون أرضاً خصبة لرواج بضاعتهم الفاسدة.

ولم يكن للمنهج السلفي صوتاً ولا للسلفيين شوكةً إلاّ بعد أحداث 2011ف حيث بدأ السلفيون يتقلدون شؤون الدعوة من وعظ وإمامة وخطابة، ومع هذا ظل جُلّ الخطباء وأئمة المساجد هم من الصوفية أو أتباعهم من الحاقدين على المنهج السلفي وأهله، وازداد تمسكهم بوظائفهم عندما روأوا نشاط شباب الدعوة السلفية ونشرهم للسُّنة ، لذلك عُقد أول لقاء لشباب الدعوة السلفية لمدينة مرزق وضواحيها يوم الجمعة الموافق 11- 11 – 2011ف وأُلقيتْ فيه محاضرة في الحث على العلم النافع المُؤصل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وكان حضور عامة الناس حضوراً  كبيراً ترقبوا فيه ما الذي سيقوله السلفيون بعد سنوات من الحرب والتضييق عليهم، وأما مكاتب الأوقاف الجنوب فكانت كلّها تابعة لحكومة الإخوان بطرابلس، ومع هذا فقد كان السلفيون يخطبون ويعِظون في المساجد.

 

ثانياً: لجنة وُعّاظ الوكالة

وفي عام 2016ف وفقنا الله تعالى بحوله وقوته للعمل على ضم مكاتب أوقاف الجنوب لتكون تابعة للأوقاف الشرعية أوقاف الحكومة الليبية المؤقتة؛ فوُفِقنا بحمد الله لهذا العمل الجبار وتم ضم عدد من المكاتب وإنشاء مكاتب جديدة وضمها للأوقاف في شرق البلاد ، ثم وفقنا الله تعالى لفتح مكتب وكالة أوقاف الجنوب، ومن خلال مكتب الوكالة انطلق العمل الدعوي في كافة مدن وقرى الجنوب فعملت الوكالة على تشكيل (لجنة من الوُّعاظ السلفيين) وانطلق هؤلاء الوعاظ  -جزاهم الله خيراً- في عقد الملتقيات العلمية في كل شهر؛ يقومون فيها بقراءة كتب ومنشورات أهل العلم في مواضيع مختلفة ، وتنظيم المحاضرات في المساجد وزيارات مراكز التحفيظ، فشهدت مدن وقرى الجنوب نشاطاً دعويّاً لم تشهده من قبل، وجُلّ هذه اللقاءات كانت بحضور عمداء البلديات ورجال الأمن وأعيان وحكماء المدن والقرى ، وجمعٍ غفيرٍ من عامة الناس يستمعون لكلام أهل العلم في الحث على السنة والتحذير من البدع وأهلها ، وبيان المنهج الحق ، وكذلك الحث على الالتفاف حول الجيش الليبي مع بيان مخاطر حكم الإخوان المسلمين وكشف مخططهم، وبيان منهج الخوارج وخطورته ، ولأول مرة يُفتح المجال لشباب الدعوة السلفية يُلقون كلماتهم ومحاضراتهم أينما شاؤوا ومتى شاؤوا وفي أي مدينة أو قرية شاؤوا؛ حتى أصبح عامة الناس يتواصلون مع الوكالة ويطلبون عقد ملتقى أو محاضرة في مدنهم وقراهم، فوصل عدد الملتقيات العلمية تسعة عشر ملتقى، مع عشرات المحاضرات في المساجد ومراكز التحفيظ .

والكل سمع بالرحلة الدعوية الأخوية لمدينة غات على الحدود الليبية الجزائرية ؛ حيث عقد الأخوة الفضلاء لقاءات متنوعة شملت الرجال والنساء وخُصصت محاضرة خاصة بالأطفال، واستقبلنا أعيان ووجهاء مدينة غات ، وجلس معنا أعضاء البلدية ، ووصلت الوكالة على حدود الجزائر في قرية (إيسيّن) وأخذوا مسجد التوحيد الذي بناه الإخوان المفسدون على رمال صحراء تلك القرية ، ودخل وفد الرحلة للمسجد العتيق ورفعوا فيه الأذان على السنة ، فقال لنا أحد شباب غات: لم يُرفع الأذان السُّني في هذا المسجد منذ القِدم ولا أظنه رُفع أصلاً. وابتهج عامة الناس بالملتقى ، واستقبلنا ولما تنكر زعانف الصعافقة وخُدّامهم في مدينة غات للجميل وقابلوه بالظلم والتعدي والكذب على منسق الوكالة قلتُ:

تخطر عليّ رحلتك ياغات *** يفور الحنين وتُسكب الدمعات

ومن الأهمية بمكان نقل ثناء مدير إدارة الشؤون الثقافية والدعوية بالهيئة على عمل لجنة الوعاظ والأعمال الدعوية التي تقوم بها ، فقد أثنى عليها ثناءً غير محدود وقال كلمات دقيقة في حق الوكالة ومنسق الوكالة أمام جمع من شباب الجنوب أثناء زيارتهم للهيئة ، وقال: إن الهيئة ستنقل هذه التجربة الناجحة لغرب البلاد. وذلك من خلال التقارير الشهرية التي تأتيه بانتظام نهاية كل شهر.

كل هذا قام به الأخوة أعضاء لجنة وعاظ الوكالة في ظروف مادية وأمنية صعبة كان يمر بها الجنوب الليبي.

ووالله الذي لا إله غيره ما كنا لنذكر ذلك وما كنا نتحدث عنه من قبل لولا أن الصعافقة اضطرونا لذلك.

وبعد هذا النشاط الدعوي الذي قام به السلفيون ومن معهم من عامة الناس ما كان من الصعافقة إلاّ أن يقفوا سداً منيعاً أمام استمرار هذا الخير ، فأغاظهم قَبول الناس للدعوة السلفية ، وأحزنتهم تلك البهجة والسرور الذي يُستقبل به السلفيون في كافة المدن والقرى في الجنوب الليبي ، فأشعلوا نار الحرب حسداً وغيظاً، وأثاروا القلاقل والمشاكل محاولة منهم لإيقاف هذا المد السلفي الذي اكتسح مُدناً عُرفت بالتصوف وانتشار السحر والسحرة ، ونشروا الأكاذيب وألصقوا التهم الباطلة بهؤلاء الثلة من السلفيين الذين وقفوا أمام عُتاة ورؤوس أهل البدع يحذرون من البدع وينشرون السنة في وقت كان هؤلاء الصعافقة لا يجرأ الواحد منهم أن يقول كلمة واحدة أمام أهل البدع وما زالوا كذلك إلى يومنا هذا.

وفي الحلقة الثانية – إن شاء الله – نذكر الحرب الماكرة التي شنَّها الصعافقة على الدعوة السلفية والسلفيين في الجنوب الليبي. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 🏼 كتبه/ الدكتور أبوالحارث رافع رمضان دخيل المجبري

يوم السبت 3 محرم 1442 هجرية الموافق 22- 8 – 2020 بمدينة إجدابيا حرسها الله وأعلى شأنها بالسنة