مقال (نقد فهرست جامعة بِرْنسْتون)

بسم الله الرحمن الرحيم

الفهرس المختار للنقد
فهرس المخطوطات العربية في جامعة بِرْنسْتون”
تعريب وتحقيق: محمد عايش

ملحوظة هامة: أوجه النقد في هذه الدراسة تتنزل بادي الرأي على الواضع الأصلي للفهارس لا على المترجم.

عناصر تقييم فهارس جامعة بِرْنسْتون

⦁ أولاً: بيانات الفهارس:
صدرت النسخة العربية من هذه الفهارس في (12) مجلدًا، مقسمة كالتالي:
المجلد 1 و2: مجموعة جاريت.
المجلد 3 إلى 8: مجموعة يهودا.
المجلد 9 و10: السلسلة الجديدة.
المجلد 11: المستدرك.
المجلد 12: الفهارس.
وهذا بيان بعدد صفحات كل مجلد في النسخة المعرَّبة:
مجموعة جاريت: (المجلد الأول) 464صفحة (المجلد الثاني) 464صفحة.
مجموعة يهودا: (المجلد الثالث) 432صفحة (المجلد الرابع) 448صفحة (المجلد الخامس) 464صفحة (المجلد السادس) 431صفحة (المجلد السابع) 448صفحة (المجلد الثامن) 400صفحة.
السلسلة الجديدة: (المجلد التاسع) 352صفحة (المجلد العاشر) 352صفحة.
المستدرك: (المجلد الحادي عشر) 447صفحة.
الفهارس: (المجلد الثاني عشر)574صفحة.
وقد قامت جامعة “برنستون” بأمريكا بإصدار فهارس للمخطوطات لديها على فترات متعاقبة، لكن باللُّغة الإنجليزية.
جاء في مقدّمة التعريب للمجلد الأول من الفهارس (ص4): “ومنْ أهمِّ خزائنِ المخطوطات في أمريكا ، خزانة جامعة برنستون ، بولاية نيوجيرسي، حيثُ تحتوي على ما يُقارب عشرة آلاف مخطوطٍ عربيٍّ تقريبًا”.
وجاء في مقدِّمة (ص7-8) ذكر أسماء القائمين بإعداد الفهارس الأصلية باللُّغة الإنجليزية:
“وقد أصدرتْ جامعةُ برنستون ثلاثة فهارس ، تصفُ المخطوطات العربيَّة المجتمعة لديها من سنة 1900م ، إلى سنة 1983م ، وهي:
1 – فهرس مخطوطات مجموعة جاريت: وهوَ من إعداد فيليب حتِّي، ونبيه أمين فارس، وبُطرس عبد الملك ، وطُبعَ في المطبعة الأمريكيَّة ، ببيروت ، سنة 1938م.
2 – فهرس مخطوطات قسم يهودا: وهو من إعداد رودلف ماخ، وطُبعَ في نيوجيرسي، بمطبعة الجامعة ، سنة 1977م .
3 – فهرس مخطوطات السلسلة الجديدة في جامعة برنستون، وهو من إعداد: رودلف ماخ، وطُبعَ في نيوجيرسي، بمطبعة الجامعة ، سنة 1987م”.
قلت: وقامت مؤسسة سقيفة الصفا العلمية بمهمة التعريب لهذه الفهارس، وتولَّى هذا العمل: محمد عايش.
وقد أبانوا عن منهجهم بقولهم: “والمؤسسة قد اعتمدت في الوقت الحاضر أن تتابع مسيرتها في فهرسة المكتبات الخطية المهمة في العالم، عبر لجان تعمل بجهد دؤوب في سبيل إخراج فهارس موثقة لهذه المكتبات، تكون وسيلة اتصال معتمدة بين العلماء والباحثين وطلاب العلم من جهة ، وبين هذه، وما تحويه من نوادر ونفائس وكنوز من جهة أخرى”.
قلت: لكن الظاهر أن الذي قام بالترجمة والتحقيق لهذه الفهارس واحد فقط، وهو محمد عايش، كما أبان هو عن منهجه في العمل (ص14) بصيغة المفرد، فلم يشر إلى وجود لجان تعمل معه!
⦁ التعريف ببيانات مجموعة يهودا:
وجاء في التعريف بمجموعة “يهودا” التي تبدأ بالمجلد الثالث، ما يلي كما في (3/5):
” تُعدُّ مجموعة جاريت للمخطوطات العربيَّة، الأضخم كمَّاً ونوعاً في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ، وتتكوَّنُ هذه المجموعة كما هي الآن من قسمين أساسيين ، وهُما :
1- قسم جاريت الأصلي ، الذي اشتراهُ على مراحل من دار بريل للنَّشر بهولندا ، ومن مُراد بيك البارودي، ومن د . ألبان ويدجيري ، وغيرها من المخطوطات التي اشتُريت من أماكن متفرِّقة ، وقد تناولتُها بالدِّراسة في مقدِّمتي لتعريب فهرس جاريت .
2- قسم يهودا ، الذي كان يقتنيه قبل وصوله إلى برنستون ، أبراهام شالوم يهودا ( 1877ـ1951م ) ، حيثُ باعَهُ لروبرت جاريت ، وشقيقه جون جاريت ، اللَّذين وهباهُ لمكتبة جامعة برنستون عام 1942م( ) ، وتضمُّ هذه المجموعة 5275 عنواناً ، موزَّعة على 8604 مخطوطات ، لما يُقارب 2089 مؤلِّف معروف الاسم ، و748 مؤلِّف مجهول .
وتجدرُ الإشارة أنَّ الأخوَيْن جاريت لم يحصُلا على المخطوطات العربيَّة والإسلاميَّة بمجموعة يهودا كافَّة ، فقد بيعَتْ المخطوطات الطبِّيَّة بهذه المجموعة للمكتبة الطبيَّة بالقوَّات المسلَّحة الأمريكيَّة، وبلغَ عددُها 1500 مخطوطة طبِّيَّة معظمها باللُّغة العربيَّة( ) .
وأمَّا بقيَّة مجموعة يهودا، فقد تمَّ إيداعها بالمكتبة اليهوديَّة الوطنيَّة، ومكتبة الجامعة العبريَّة بالقدس، وتُشيرُ تقارير غير مؤكَّدة أنَّ جزءاً كبيراً من مكتبة تشستربيتي في إيرلندا، تمَّ شراؤهُ من مجموعة يهودا الأصليَّة.
وقال المعرِّب في التعريف بفهرس مجموعة يهودا كما في (3/6-7):
“قام رودلف ماخ بإعداد فهرس للمخطوطات العربيَّة الموجودة في مجموعة يهودا، ونُشرَ في نيوجيرسي سنة 1977م ، حيثُ رتَّبَهُ حسب الموضوعات”.اهـ
⦁ التعريف ببيانات فهرس السلسلة الجديدة:
جاء في (9/2): “هذا تعريبٌ للفهرس الثَّالث الذي أصدرتهُ جامعة برنستون، بعد فهرس جاريت، ويهودا، والذي تصفُ فيه ( 1626 ) مخطوطة عربيَّة ، تجمَّعتْ لديها ما بين سنة 1955م وسنة 1982م ، وقد عُرفت هذه المجموعة من المخطوطات بالسِّلسلة الجديدة…”.
وجاء في (9/6-8): “ولمخطوطات هذه المجموعة قيمةٌ عظيمةٌ في تراثنا، فهي تمثِّلُ أعظمَ مجموعة عُرفتْ خارج إيران اشتملتْ في غالبيتها على مؤلَّفات شيعيَّة ، كما ضمَّتْ بين أعطافها مئات المخطوطات في مختلف ميادين المعرفة كعلوم اللُّغة وآدابها ، والعلوم الإسلاميَّة ، والطِّب ، والفلك ، والرياضيَّات، والهندسة ، والفلسفة .
ويتوزَّعُ الحديثُ عن نفاسة هذه المجموعة إلى المحاور الآتية:
أوَّلاً : مخطوطات بخط المؤلف: تضمُّ المجموعة ما يقارب ثلاثين مخطوطة بخطوط مؤلِّفيها…
ثانيَّاً : نسخ قديمة: على الرَّغم من أنَّ معظم مخطوطات المجموعة من القرنين الحادي عشر والثَّاني عشر الهجريين ، إلاَّ أنَّها احتوت على العديد من المخطوطات القديمة…
ثالثَّاً : المخطوطات الفلسفيَّة: تمتازُ هذه المجموعة بأنَّها من أغنى المجموعات بالأعمال الفلسفيَّة…
رابعاً : المخطوطات الطبيَّة: ضمَّتْ المجموعة مؤَّلفاتٍ نفيسة في الطِّب ، منها : نسخة فاخرة وجميلة من رسائل جالينوس ، ونُسخة قديمة من التصريح لابن جُميع ، ونُسخة نادرة من شرح تصريح القانون لابن النَّفيس .
خامساً : تضمُّ المجموعة العديد من النُّسخ التي عليها تقريظات وإجازات وتملُّكات ، وعشرات النُّسخ المزخرفة والمزيَّنة ، كنسخة حيرة الفقهاء ، التي كانت برسم خزانة السُّلطان قايتباي .
ومهما يكنْ من أمرٍ، فإنَّ السلسلة الجديدة ، من المجموعات النَّادرة ، التي يجهلُ بوجودها الكثير من الباحثين ، ولذلك ؛ كان من الأهميَّة بمكان ، أنْ يتمَّ تعريبها ، وتعريف المحقِّقين بها…”.اهـ
وجاء في (9/2-3): “وقد أوكلتْ جامعة برنستون فهرسة هذه المجموعة ووصفَها لرودلف ماخ ، وهو أمين مجموعة الشَّرق الأدنى فيها، من سنة ( 1955م 1977م ) ، وأستاذُ قسم الدراسات الشَّرقيَّة فيها أيضاً ، حتَّى وفاته فجأةً سنة 1981م .
ولعلَّ ( رودلف ماخ ) قد أحسَّ بدنوِّ أجله، فدعا ( إريك أورمسبي ) للعمل معهُ سنة 1980م ، حيثُ ساعدهُ في الفهرسة خمسة عشر شهرًا، ثمَّ أكملَ عنهُ الفهرسة بعد وفاته ، ويذكرُ ( أورمسبي ) أنَّ د . إحسان عبَّاس قد ساهمَ في فهرسة هذه المخطوطات، وقدَّم مئات الأوصاف التمهيديَّة لمئات المخطوطات العربيَّة في هذه المجموعة، وبعد وفاة ( ماخ ) ، أكمل د . إحسان عبَّاس تنقيحهُ للفهرس .
كما ساهمَ (مانفريد أولمان)، وهو أستاذ بجامعة توبنجن، في مراجعة أوصاف المخطوطات الطبيَّة، وقدَّم عدَّة ملاحظات وتصحيحات واقتراحات حولها ، وأيضاً ساهم د . (جيمس وينرجر )، وهو أمين مجموعة الشَّرق الأدنى ببرنستون ، و(كارل براون ) مدير برنامج برنستون في دراسات الشَّرق الأدنى ، في تقديم الملاحظات والمراجعات حول الفهرس”.
قلت: ويتبيَّن لنا من هذا السرد أن الذين أعدوا فهرس “السلسلة الجديدة” ثلاثة:
1. رودلف ماخ. 2. إريك أورمسبي. 3. إحسان عباس.
وأن هناك مَن شارك في الإعداد بإبداء ملحوظات، وهم: مانفريد أولمان، وجيمس وينرجر -أمين مجموعة الشَّرق الأدنى ببرنستون، و(كارل براون ) مدير برنامج برنستون في دراسات الشَّرق الأدنى-.
ولم يتم الإشارة إلى هذا التفصيل في التعريف بفهارس السلسلة الجديدة في مقدّمة المجلد الأول، حيث أشير إلى أن واضع الفهرس هو “رودلف ماخ” فقط، وهذا قصور في البيان، وإن كان هو واضع الأصل.

⦁ ثانيًا: حدود التغطية:
الفهارس الأصلية المصنوعة من قبل أناس مختلفين غطت أغلب المخطوطات الكائنة لدى جامعة برنستون، وقد قُسمت على سلاسل ثلاثة كما تقدّم آنفًا، لكنها لم تستوعب فهرسة كل المخطوطات، بل بقي بعض السلاسل التي لم تفهرس، وهذا يعد قصورًا في التغطية لا مبرر له إلا النسيان أو الإهمال المتعمَّد.

⦁ ثالثًا: التنظيم:
أولاً: مجموعة جاريت (المجلد 1، 2):
قام المفهرسون بتقسيم الفهارس على المواضيع: الشعر، والأدب، والنحو والصرف، والبلاغة، والتاريخ، والطبقات والتراجم، وعلم الأخلاق… إلخ.
لكن يؤخذ عليهم في هذا التقسيم ما يلي:
.1 أنهم جعلوا أقسامًا مستقلة لمسائل فرعية هي مندرجة تحت قسم رئيسي، ومن أمثلة ذلك:
قسم “تاريخ العصور القديمة” –والذي احتوى على مخطوط واحد-، الأولى به أن يندرج تحت قسم “التاريخ”.
وقسم “علم الكتابات القديمة” –والذي احتوى على مخطوطتين فقط-، الأولى به أن يندرج تحت قسم “التاريخ”، أو قسم “الخط” –إن وُجد-.
2. أنهم صنعوا أقسامًا لا فائدة منها، فمن يتأمل في المخطوطات التي أوردوها تحت هذه الأقسام؛ يجد أنها أولى بأقسام أخر، ومن هذا:
(أ‌) خصَّصوا قسمًا سمَّوه بـ”الفولكلور” –وهذه تسمية غريبة ليست مطروقة عند واضعي الفهارس المسلمين- وقد تضمن مخطوطات بعضها من الممكن أن يندرج تحت قسم “التاريخ”، والبعض الآخر يندرج تحت قسم “الأدب”.
ومن أمثلة ذلك: أول ثلاث مخطوطات في قسم “الفولكلور” كما في (1/238) هي: “الصادح والباغم”، و”نزهة الأحباب في غرائب الاتفاق ونوادر ذوي الألباب” لشهاب الدين الزَّبيدي، و”روضة الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار” للأماسي؛ فإن الأولى بها قسم الأدب.
ومخطوطات “قصص الأنبياء”، و”سيرة الملك الظاهر البيبرس”، و”سيرة عنترة”، و”سيرة الأسكندر ذي القرنين”، فإن الأولى بها قسم التاريخ.

(ب‌) خصَّصوا قسمًا بعنوان “الموسوعات” لا فائدة منه؛ حيث إن ما أوردوه فيه الأولى به أقسام أخر، وم أمثلة ذلك:

⦁ مخطوط “أنموذج العلوم” للطَّرسوسي البلوي، ومخطوط “موضوعات العلوم” للتوقاتي كلاهما الأولى به قسم “التعليم”.
⦁ مخطوط “أساس الاقتباس” لاختيار الدين بن غيَّاث الأولى به قسم الأدب.

(ت‌) قسم “المتفرقات” الذي جعله في آخر الأقسام في (2/288) أغلب مخطوطاته يمكن أن توزع على الأقسام الأخرى، ومن أمثلة ذلك:
⦁ “الرسالة الأغريضيّة” لأبي العلاء المعري، تندرج تحت قسم الأدب.
⦁ “النطق المفهوم من أهل الصمت المعلوم” لابن الجوزي، و”كتاب الآداب وسلوك ذوي الألباب إلى الهدى وحسن المآب” لابن خطيب داريَّا، كلاهما يندرجان تحت قسم “علم الأخلاق”.
⦁ “صلة الخلف بموصول السلف” للرَّوداني، و”إجازة الأزميري”، و”إجازة أحمد رشيد”، و”إجازة الشاطي”، وغيرها من الإجازات من الممكن أن يصنع لها قسم خاص يسمى بـ “الإجازات”، أو “الأثبات والفهارس والمشيخات”، وقد عقد رودلف ماخ هذا القسم في قسم يهودا.

3. عدم التزام الترتيب الهجائي في داخل كل قسم، لكن –مع التتبع- نلحظ أنهم سلكوا مسلكًا حميدًا في الترتيب الداخلي في كل قسم، ألا هو: إلحاق كل مخطوط بلواحقه من نسخ أخرى أو شروح أو تلخيص ونحو ذلك.
من أمثلة ذلك:
(أ‌) أول ثلاث مخطوطات في قسم الشعر تتعلَّق بـ “المعلَّقات السبع”.
(ب‌) المخطوطات (4 – 7) في قسم الشعر حول قصيدة “بانت سعاد”.
(ت‌) المخطوطات (190-192) في قسم الأدب: ثلاث شروحات لـ”رسالة ابن زيدون”، وهي: “تمام المتون شرح رسالة ابن زيدون” لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفَدي، و”سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون” لابن نباتة المصري، و”التحريرات النَّصرية على شرح الرسالة الزيدونية” لنصر بن نصر الهوريني الوفائي.
(ث‌) المخطوطات (194-200) في قسم الأدب تتعلَّق بـ “مقامات الحريري”.
(ج‌) المخطوطات (311-323) في قسم النحو والصرف تتعلَّق بـ “العوامل المائة” لعبدالقاهر الجرجاني.
(ح‌) المخطوطات (628-633) في قسم السيرة النبوية تتعلَّق بـ “الشمائل المحمدية” للترمذي.

4. وضع “المجاميع” “المتفرقات” رأسًا موضوعيًّا، وعدم توزيع مخطوطات المجاميع على المواضيع، مع صنع شبكلة إحالات للربط، كما قال سعيد ضامن الجوماني في “الفهارس المخطوطة للمكتبات الإسلامية” في مجلة “التراثيات” (العدد الرابع عشر/ ص21): “إن الرأس (المجاميع، ورسائل شتى، ورسائل صغيرة) ليس رأسًا موضوعيًا، وإنما هو تحديد لشكل الوعاء، وهو ينضوي على مجموعة من الأوعية في موضوعات شتى، ووضع المجاميع متعددة الموضوعات في مكان واحد أمر مطلوب، لكن للاستفادة منها بالشكل الأمثل لا بد من توزيع مقتنياتها حسب الموضوعات، وربطها بشبكة من الإحالات”. (وانظر: “المخطوط العربي” (284) عبدالستار الحلواجي).

ثانيًا: مجموعة يهودا:
قال (محمد عايش) في مقدمته على “مجموعة يهودا” (3/3):
“قام رودلف ماخ بإعداد فهرس للمخطوطات العربيَّة الموجودة في مجموعة يهودا، ونُشرَ في نيوجيرسي سنة 1977م ، حيثُ رتَّبَهُ حسب الموضوعات، مستخدماً المنهج التَّالي –وذكر في أول نقطة فيه-: تمَّ تحليل المجاميع والكتب المشتملة على أكثر من عنوان، والتَّعامل مع عناوينها كمؤلَّفات مستقلَّة، تُصنَّف وتوزَّع حسب الموضوعات”.
قلت: وقد سلك رودلف ماخ الطريقة نفسها التي سلكها سابقوه في تنظيم فهارس مجموعة جاريت، وتتنزل الانتقادات التي ذكرتها على مجموعة جاريت عليه –في الأغلب الأعمّ- لكن رودلف ماخ كان أحسن حالاً منهم في إلحاق كل مخطوط بالقسم الذي يستحقه.
ومما يُنتَقد عليه ما يلي:
.1 قسم “الجفر والزَّايرجة والكهانة والنبوات”، لا دخل للنبوات فيه، وكان ينبغي على المعرِّب –وهو عربي مسلم- أن يبيّن هذا.
.2 قسم “الجفر والزَّايرجة والكهانة والنبوات”، وقسم “علم الحروف”، وقسم “المجرَّبات والطلاسم”، وقسم “السحر”؛ كلها تنتظم تحت “السحر”، فكان الأولى أن يضمها قسم واحد، وكان الواجب على المعرّب أن يبين في الحاشية حكم الشرع في السحر وعدم جواز الاطلاع على الكتابات فيه.
ثالثًا: السلسلة الجديدة:
قام رودلف ماخ أيضًا بفهرسة “السلسلة الجديدة”، وساعده وأتمَّ عمله: إريك أورمسبي، وقد انتهجا في تنظيم فهارس هذه السلسلة نهجًا يخالف السلاسل السابقة، حيث رتّباه ترتيبًا هجائيًّا ليس موضوعيًّا، ويتميز تنظيمهما بما يلي:
.1 إذا كان المخطوط له أكثر من نسخة أوردوها متوالية في مكان واحد، لكن بالرقم نفسه مع وضع ترقيم فرعي للنسخ، نحو: مخطوط “أنوار التنزيل وأسرار التأويل” للبيضاوي (رقم 39)، كانت له ست نسخ، فذكروها مرتبة من 39 (1) إلى 39 (6).
.2 إذا كان المخطوط له شرح أو اختصار أو ذيل ونحو ذلك، وضعَا ذلك خلف المخطوط الأم بغض النظر عن الترتيب الهجائي، ومن أمثلة ذلك: مخطوط متن “الآجرومية” (رقم 12)، ذكرا بعده شرحين للآجرومية: “الدرة النحوية في شرح الآجرومية” (رقم 13)، و”شرح الآجرومية” (رقم 14).
وقد أحسن المعرِّب بصنع كشَّافات للعناوين والمؤلّفين لتسهيل الوصول إلى المخطوط المطلوب بغير صعوبة.
رابعًا: المستدرك:
وجاء في مقدمة المجلد الأول (ص5) أن الجامعة قامت بصناعة: “فهرس المخطوطات العربية غير المفهرسة في جامعة برنستون، حيث قامت الجامعة بنشر مجموعة من القوائم عبر موقعها على الشابكة ( الإنترنت )، تُعرِّفُ بالمخطوطات العربيَّة غير المفهرسة سابقًا في فهارسها الثَّلاثة جاريت ، ويهودا ، والسِّلسلة الجديدة ، وجاءتْ هذه القوائم وَفقَ المجموعات التَّالية :
– السِّلسلة الثَّالثة: وهي مجموعة من المخطوطات التي حصلتْ عليها الجامعة سنة 1995م ، بالإهداء والشِّراء من مصادر متعدِّدة ، وتشمل الأرقام : ( 1-399 ) .
– سلسلة البارودي: وتضمُّ مجموعة من المخطوطات التي أُهمِلَتْ فهرستها في فهرس جاريت ، وتشملُ الأرقام : ( 400 – 405 ) .
– سلسلة ليتمان: وتضمُّ عشرات المجاميع التي أُهملَتْ فهرستها في فهرس جاريت ، وتشملُ الأرقام ( 406 – 435 ) .
– السِّلسلة الإضافيَّة: وهي بالأصل من مجموعة جاريتْ ، ولم يُعرَّف بها سابقاً ، وتشملُ الأرقام : ( 436 – 441 ) .
– سلسلة يهودا: وهي مجموعة ضخمة من المخطوطات التي أهمل رودلف ماخ فهرستها في فهرس يهودا ، وتشملُ الأرقام : ( 442 – 818 )”.
قلت: وهذه المخطوطات العربية غير المفهرسة، تولّى “محمد عايش” تعريبها وألحقها في مجلد مستقل –وهو المجلد الحادي عشر- وسماه: “المستدرك”، وكنا نود أن يقوم بترتيب هذه المخطوطات ترتيبًا موضوعيًّا مع إلحاقها على حسب موضوعها بالفهارس التي صنعها: فيليب حتِّي، ونبيه أمين فارس، وبُطرس عبد الملك  لمجموعة جاريت، ورودلف ماخ لمجموعة يهودا والسلسلة الجديدة، وبهذا يكتمل العمل في صورته العربية، ويتفوق على النسخة الإنجليزية.

⦁ رابعًا: الوصف:
قال (محمد عايش) في مقدمته على “مجموعة يهودا” (3/3) في التعريف بطريقة واضعي الفهارس في توصيف المخطوطات التوصيف المادي:
.1 الإيجاز قدر الإمكان في وصف المخطوطات وتحليلها ، وذكر بداياتها، وعدم زيادة معلومات إضافيَّة للتَّعريف بمخطوطات مشهورة ، أو مخطوطاتٍ عُرِّفت في تاريخ الأدب العربي ، لكارل بروكلمان.
.2 كُتبتْ عناوين المخطوطات وأسماء المؤلِّفين بحروفٍ لاتينيَّة، مع المحافظة على شكلها كما وردَ في المخطوط .
.3 أمَّا المخطوطات مجهولة العناوين، فقد أُعطيتْ في الفهرس عناوينَ وصفيَّةً قصيرة ما بين معقوفتين .
.4 وضعتْ علامة النَّجمة بجانب العناوين غير الموجودة في تاريخ الأدب العربي .
.5 تمَّ إضافة وصف موجز لمحتوى بعض المخطوطات، التي لم يعرفها بروكلمان، أو أنَّ عنوانها لا يكفي لوصفها .
.6 توثيق العناوين من خلال بروكلمان فقط، وفي حين لم توجد عندهُ ، يتم توثيقها من خلال كتب البيلوغرافيا الأخرى .
.7 يذكر رمز الحفظ لكل عنوان، وإلى جانبهِ عدد الأوراق أو الأجزاء( ) ، ومقاس الصَّفحة ، بالإضافة إلى قياس السطح المكتوب عليه في الورقة ، وأمَّا نوع الخط، فلا يذكر إلاَّ ما كتبَ بخطٍّ مغربي ، كما يشير إلى مشكلات المخطوط من بياضٍ أو بترٍ .
.8 يذكر تاريخ النَّسخ واسم النَّاسخ، ويتجاهل أسماء النسَّاخ غير المحدَّدة مثل : «أحمد بن محمَّد»”.
وجاء في مقدمة “السلسلة الجديدة” (9/5) بعد أن ذكر أن واضع أصل الفهارس هو رودلف ماخ، وأن إريك أورمسبي هو الذي خلَفَه –بعد موته- في إتمامها:
“ويذكرُ (إريك أورمسبي) في مقدمته للفهرس أنَّهُ انتهجَ نهجاً واضحاً سهلاً في الفهرسة والترتيب، فالفهرس في نظرهِ يهدفُ إلى تقديم معلومات مختصرة وضروريَّة عن المجموعة، ولذلك نراهُ يرتِّبُ المخطوطات في الفهرس ترتيباً هجائيَّاً حسب عناوينها، بغضِّ النَّظر عن موضوعاتها.
ويوردُ عنوان المخطوط ثمَّ اسم المؤلِّف، ثمَّ التوثيق البيبليوغرافي، ثمَّ بداية المخطوط وأحياناً نهايته، ثمَّ رمز حفظه وعدد أوراقه وتاريخ نسخه إنْ وُجد واسم ناسخه ، ثمَّ يذكر موضوع المخطوط ، وكلُّ ذلك باللغة الإنجليزيَّة عدا بداية المخطوط، فهو يوردها بإيجازٍ كما وردتْ .
ومن الملاحظ أنَّ الفهرس قد أخلَّ بذكر عدد الأوراق لما يقارب ( 479 ) مخطوطة، بالإضافة إلى أنَّهُ لا يوردُ بداية المخطوط للمخطوطات الواردة في فهرس يهودا، وما من شكٍّ في أنَّ ذلك يُعدُّ نقطة ضعفٍ في الفهرسة، ممَّا يضيِّعُ فائدة كبيرة على الباحثين”.اهـ

قلت: وينتقد على طريقة هؤلاء في التوصيف ما يلي:
.1 تقديم بيانات الوصف المادي على بيانات النسخ.
.2 تجاهل أسماء النُّسَّاخ التي لم تميز، نحو «أحمد بن محمَّد»”.
.3 الاكتفاء بذكر “الناسخ”، و”تاريخ النسخ” فقط دون بقية عناصر النسخ، نحو “مكان النسخ”.
.4 إغفال ذكر بقية عناصر الوصف المادي، نحو: نوع مادة المخطوط، ونوع الخط إلاَّ ما كتبَ بخطٍّ مغربي، وتجاهل ذكر الإيضاحيات.
.5 إغفال ذكر طرف من خاتمة المخطوط –في الغالب الأعم-.
.6 إغفال التبصرات الأخرى، نحو: التملكات أو الوقفيات، والتعليقات أو الزيادات، وذكر الحالة المادية إذا كانت متدنية أو لا.
.7 الاكتفاء بكتاب “تاريخ الأدب العربي” لبروكلمان في توثيق العناوين، مع عدم الرجوع للببليوجرافيات الأخرى، نحو كشف الظنون، في الوقت نفسه للوصول إلى أدق توثيق للعنوان، بل لم يرجعوا إلى الببليوجرافيات الأخرى إلا عند عدم وجود العنوان في كتاب بروكلمان، وهذا قصور في التوثيق.ولكن “المعرّب” تدارك هذا بالرجوع إلى “كشف الظنون”، و”هدية العارفين”، و”معجم المؤلّفين”.
.8 ضبط العناوين له معايير للجودة ذكرها كلٌّ من: د. عبدالستَّار الحلوجي في “المخطوطات والتراث العربي”، أو “نحو علم مخطوطات عربي”، ود. عابد سليمان المشوخي في “فهرسة المخطوطات العربية”.
وقد جمع محمد حلمي إبراهيم في مقال: “فهرسة المخطوطة العربية بين النظرية والتطبيق .. تجربة مكتبة الأوقاف المصرية” (تراثيات/العدد الخامس عشر) ()، الفوائد من كلا الكتابين في بيان أهمية تطبيق معايير الجودة في فهرسة المخطوط في كل عناصر فهرسة المخطوط، وأهم هذه العناصر وأخطرها في تحديد هوية المخطوط: “اسم المؤلف والعنوان”.
وقد ذكر ثلاثة وعشرين عنصرًا في معايير الجودة فيما يتعلَّق باسم المؤلف والعنوان.
وقال سعيد ضامن الجوماني أيضًا في “الفهارس المخطوطة للمكتبات الإسلامية” في مجلة “التراثيات” (العدد الرابع عشر/ ص23): “واتفقت جميع الفهارس على أنها اعتمدت أكثر من شكل في صياغة عناوين محتوياتها، وهذا دليل على تذبذب المنهجية المتّبعة في تسجيل هذا البيان”.
لكن الأمر يحتاج إلى الرجوع إلى المخطوطات الأصلية؛ كي نتوثق من التزام المفهرسين بهذه المعايير.

⦁ خامسًا: الكشافات:
صنع كشَّافين: (كشّاف المؤلفين – كشاف العناوين) فقط.
– لم يصنع كشافًا بأسماء النساخ.

⦁ سادسًا: الإخراج:
.1 خرجت الفهارس في صورة كتاب (مجلدات ذات طباعة فاخرة، وإخراج فني متميز).
.2 ملحق بالكتاب: قرص حاسب آلي عليه الفهارس كاملة.

⦁ ملحوظات عامة:
.1 عدم ذكر اسم المؤلِّف الحقيقي (مؤلِّف النسخة الإنجليزية) على الغلاف.
.2 عدم توضيح بعض الألفاظ المشكلة: مثل (8/5): “الجفر، والزايرجة، والكهانة … إلخ”.
.3 أقترح أن يقوم المحقِّق بالتعليق على المخطوطات المنسوبة إلى الفرق المخالفة لأهل السنة، خاصّةً مخطوطات الرافضة والمعتزلة لما تحتويه من أمور خطيرة تؤدي إلى تدمير العقيدة الإسلامية وتشويه عقيدة السلف الصالح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان –الذين حملوا إلينا الدين الصافي-؛ حيث إن بعض هذه المخطوطات قد تحتوي على عبارات صريحة في سبٍّ وتكفير الصحابة والسلف الصالح، وفي الطعن في عرض أمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا من باب البيان المفروض شرعًا؛ حيث إن الباحث ينبغي أن يكون صادق النيَّة في فهرسته؛ لأنها أمانة سوف يُسأل عنها بين يدي الله عز وجل، والدال على الشر كفاعله، كما أن الدال على الخير كفاعله؛ إلا أن يُبيّن، ويُبرئ ذمّته.

هذا ما تيَّسر في تقييم فهارس مخطوطات جامعة “برنستون”.

وصلى الله على محمَّد وعلى آله وأصحابه وسلِّم

وكتب
خالد بن محمد بن عثمان المصري

 

 

اضغط: نقد فهرست جامعة بِرْنسْتون