هل تزكيات العلماء وإجازاتهم لا تُطلَب ولا تُنشَر؟!
هل تزكيات العلماء وإجازاتهم لا تُطلَب ولا تُنشَر؟!
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أصحابه ومن اتبع هداه،
أما بعد، فإن شهادة العلماء السابقين للاحقين بالعلم والاجتهاد وحسن التصنيف، وتزكيتهم لهم سنة متَّبعة وجادة مطروقة لا يجهلها أحد من العلماء، وكان أول من سنَّ هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حيث زكَّى أصحابه رضي الله عنهم، وتبعه الصحابة على ذلك فزكُّوا أئمة التابعين من السلف الصالح، وما زالت هذه السنة ماضية إلى أن تقوم الساعة.
أخرج مسلم في “صحيحه” (2642): عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ».
وأخرج البخاري (1376)، وأخرج مسلم (949) من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ» ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ».
لكن هناك أسئلة تطرح نفسها، وهي:
السؤال الأول: هل يصح لطالب العلم الاستجازة وطلب التزكية من شيوخه الذين قرأ عليهم أو تتلمذ عليهم، وأن يحرص على ذلك أم لا؟ أم أن هذا ينافي الإخلاص لله عز وجل؟والثاني: وهل يصح للعالم أن ينشر هذه التزكيات والإجازات أم لا؟
وأقول ابتداء: إن المرء يزكيه علمه وعمله، ولن تتيَّسر له تزكيات العلماء وإجازتهم له إلا إذا بلغ من العلم وحسن القصد ما يُرزق به هذه الشهادة منهم، خاصة إذا تواتر علماء عصره على تزكيته، والشهادة لمؤلَّفاته وأبحاثه بالنفع.
وإليك إجابة السؤال الأول: إن استجازة الطالب من شيوخه وطلبه التزكية منهم أمر جرى عليه أهل العلم خلفًا عن سلف.. نقل الذهبي في السير (8/96) أن أَبَا مُصْعَبٍ قال: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: “مَا أَفْتَيتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُوْنَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ”.
قال الخطيب البغدادي في “الكفاية في علم الرواية” (1/288): “أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ -فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا- أنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: «لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إِلَّا مِمَّنْ شُهِدَ لَهُ بِالطَّلَبِ».
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فَسَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُولُ: «إِلَّا جَلِيسَ الْعَالِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ طَلَبُهُ» قَالَ الْخَطِيبُ: أَرَادَ أَبُو مُسْهِرٍ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ عُرِفَتْ مُجَالَسَتُهُ لِلْعُلَمَاءِ وَأَخْذُهُ عَنْهُمْ، أَغْنَى ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ حَالِهِ”.
ثم قال في (1/289): “الْمَجْهُولُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: هُوَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُشْتَهَرُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا عَرَفَهُ الْعُلَمَاءُ بِهِ”.
قلت: ومن ثَمَّ حرص العلماء قديمًا وحديثًا على استجازة شيوخهم، وسمِّي هذا باستدعاء الإجازة.
قال عبداللطيف الجيلاني في مقدِّمة تحقيقه على “استدعاءات الإجازة” لابن رُشَيْد الفهري السبتي (ت 721ه) (197): “فاستدعاء الإجازة كراسة تحتوي على طلب يلتمس فيه الراغب في الرواية الإجازة له، ولغيره أيضًا إن أراد من عالم معين، أو مجموعة من علماء عصره، على أن يأتي عقب هذا الطلب نصوص العلماء وتوقيعاتهم بالإجازة…” إلى أن قال: “ومن تعريفات استدعاءات الإجازة تعريف الدكتور عبد الله الترغي الذي قال: “هو صورة الطلب الذي يقدمه الراغب في الرواية والسند إلى شيخه أو شيوخه ليكتسب شرعية اتصال سنده بواسطتهم عن طريق الإجازة”. ثم قال في (202): “وقد كتبها –أي الاستدعاء- الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة سنة 325ه للحافظ أبي محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي المعروف بابن السقاء بناء على طلب وجه إليه من قبل أحمد بن عبد الله بن آدم، ونصها كالآتي: “بسم الله الرحمن الرحيم، من أحمد بن محمد بن سعيد إلى أبي محمد عبد الله بن محمد بن عثمان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد وعلى آله. أما بعد: فإن أحمد بن عبد الله بن آدم سألني أن أجيز لك ما سمعه من حديثي، وما صح عندك من حديثي، وقد أجزت ذلك لك، وكلما أجيز لي أو قول قولته أو شئ قرأته في كتاب، وكتبت إليك بذلك فاروه عن كتابي إن أحببت ذلك، وكتب أحمد بن محمد بن سعيد بخطه في شوال سنة خمس وعشرين وثلاثمائة”.
وجاء في كتاب “الاستدعاء المشرق من مسندي المشرق والمغرب” لمحمد بن أحمد حمود التمماني الطنجي المغربي (ص5): “ومن أشهر الاستدعاءات التي كتبت عبر التاريخ: استدعاء ابن فهد، وابن الأبَّار، وأبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السّجلماسيّ المغربي، وأبي سالم العيَّاشي، ومحمد بن أحمد الحضيكي، واستدعاء مرتضى الزبيدي الذي كتبه بخط يده لمحمد بن عبد السلام الناصري يوم الخميس 16 ربيع الأول عام 1197ه يستدعي فيه الإجازة من المشايخ الذين سيلقاهم الناصري؛ وغيرهم، وقد كان المغاربة في رحلاتهم إلى الحجاز قصد الحج يحررون الاستدعاءات، يطلبون فيه من المشايخ الإجازة لأنفسهم، ولمن يرغبون من أهل المغرب، كما فعل العبدري، وابن رشيد السبتي، والتجيبي”.
قلت: وهذه الاستدعاءات للإجازة كانت في زمن الرواية، وكثُرَت بعد زمان الرواية وما زالت إلى وقتنا هذا.
واستدعاء الإجازة قرين طلب التزكية، والهدف منهما واحد هو أن يثق المسلمون في التلقي عن هذا العالم وأنه متصل السند بمن سبقه من علماء العصر، وهذا كما يوثق في قارئ القرآن بأخذه الإجازة في قراءة –أو عدة قراءات- وتزكيه القرَّاء السابقين له وحرصه على هذا، فكيف بفقه الاعتقاد والأحكام، والتصدر للتعليم والفتوى؟!
وفي زماننا رجعت غربة الإسلام وانتشرت الفتن وترأس الجهال والمتعالمون، فصارت الحاجة إلى تزكيات العلماء وإجازاتهم خاصة في صحة المعتقد والمنهج أشدّ وأشدّ.
واعلم أن المستجيز –إن لم يكن أهلاً للإجازة- فلا تنفعه، وإن جمع إجازات الدنيا كلها! جاء في “ثبت الإمام السفاريني” (ص326-328و332-333/ضمن مجموع فيه إجازاته) فيما كتبه لتلميذه الشيخ (عثمان الرحيباني الحنبلي) في إجازته إياه؛ ناصحًا طلاب العلوم -الأخروية- بما حرفه، وما أبلغه، وأوفاه: “والإجازات لا تفيد علمًا؛ فمن حصَّل العلوم، وأدرك المنطوق، والمفهوم؛ فقد فاز، وأجيز على الحقيقة، لا المجاز، ومن لا فلا، ولو ملأ سَبَت أمه إجازات، والله الموفق”.
وأما إجابة السؤال الثاني، ونصُّه: هل يصح للعالم أن ينشر هذه التزكيات والإجازات أم لا؟
فأقول: لقد جرت عادة العلماء قديمًا وحديثًا على تأليف “المشيخات” و”المعاجم”، و”البرامج” والتي من خلالها يعدّدون ذكر شيوخهم، ومن خلال ذلك يذكرون إجازات العلماء لهم وتزكياتهم، ومن المعلوم أنهم ألّفوا هذه المصنَّفات كي تنشر، وقد وصلت إلينا صفوة منها، منها ما طُبع ومنها ما زال في غياهب المخطوطات أو المفقودات، وأما المطبوع منها كثير، أذكر بعضًا منها ممَّا في مكتبتي على سبيل المثال لا الحصر:
مشيخة ابن طهمان لإبراهيم بن طهمان (ت 163ه)، ط. مجمع اللغة العربية بدمشق، تحقيق محمد طاهر مالك.
المعجم (معجم شيوخ أبي يعلى الموصلي (ت 307ه)، ط. دار المأمون للتراث، تحقيق حسين سليم أسد وعبده علي كوشك.
معجم شيوخ أبي الشيخ الأصبهاني (ت 369ه)، ط. بينونة، تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب.
المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي (ت371ه)، ط. مكتبة العلوم والحكم، تحقيق زياد محمد منصور.
أحاديث الشيوخ الثقات الشهير بـ: المشيخة الكبرى لأبي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري المعروف بـ: قاضي المارستان (ت 535ه)، ط. دار عالم الفوائد، تحقيق الشريف حاتم بن عارف العوني.
الغنية للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي (ت 544ه)، ط. مكتبة الثقافة الدينية، تحقيق علي عمر.
المنتخب من معجم شيوخ السمعاني لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني (ت 563ه)، ط. مكتبة الثقافة الدينية، تحقيق محمد عثمان.
معجم السفر لأبي طاهر أحمد بن محمد السلفي (ت 576ه)، ط. دار الفكر، تحقيق عبد الله عمر البارودي.
مشيخة ابن الجوزي (ت 597ه)، ط. دار الغرب الإسلامي، تحقيق محمد محفوظ.
الفتح المبين في المشيخة البلدانية للإمام محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (ت 643ه)، ط. دار البشائر.
مشيخة ابن البخاري بقية المسندين علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي (ت690ه)، ط. دار عالم الفوائد، تحقيق عوض عتقي سعد الحازمي.
المنتخب من حديث شيوخ بغداد لأبي العلاء محمود بن أبي بكر الفرضي البخاري (ت 700ه)، ط. دار النوادر، تحقيق رياض حسين عبد اللطيف الطائي.
معجم شيوخ الأبرقوهى (ت 701ه)، ط. مكتبة الثقافة الدينية، تحقيق محمد عثمان، وط. مكتبة ابن عباس.
ملئ العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهةإلى الحرمين مكة وطيبة لابن رُشَيْد الفهري السبتي (ت 721ه)، ط.الدار التونسية، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة.
المشيخة الشامية لبرهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري (ت 732ه) عن شيوخه الشاميين الذين أجازوا له، ط. دار الكتب والوثائق القومية، تحقيق أحمد عبد الستار.
مشيخة ابن طرخان (ت 735ه)، ط. دار النوادر، تحقيق حسام كمال توفيق وعبد الله أحمد فؤاد.
جزء فيه من عوالي الشيخات الست للقاسم بن محمد البرزالي (ت 739ه)، ط. دار البشائر الإسلامية، تحقيق محمد بن ناصر العجمي.
معجم الشيوخ المعجم الكبير للذهبي (ت 748ه)، ط. دار الفكر.
مشيخة الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني (ت 750ه)، ط. دار البشائر الإسلامية، تحقيق عامر حسن صبري.
الأربعون العشارية للعراقي (ت 806ه)، ط. مكتبة ابن عباس، تحقيق نبيل بن صلاح بن عبد الحليم آل سليم.
كتاب العوالي للإمام ابن الجزري (ت 833ه)، ط. مكتبة ابن عباس، تحقيق نبيل بن صلاح بن عبد الحليم آل سليم.
الأحاديث العشرة الاختيارية للحافظ ابن حجر (ت 852ه)، ط. مكتبة ابن عباس، تحقيق نبيل بن صلاح بن عبد الحليم آل سليم.
عون الزمان بتراجم الشيوخ والأقران لإبراهيم بن حسن البقاعي (ت 885ه)، ط. دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، تحقيق حسن حبشي.
عنوان العنوان أو المعجم الصغير لإبراهيم بن حسن البقاعي (ت 885ه)، ط. دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، تحقيق حسن حبشي.
عشاريات السيوطي (ت 911ه)، ط. مكتبة ابن عباس، تحقيق نبيل بن صلاح بن عبد الحليم آل سليم.
الفهرست الأوسط من المرويات للإمام ابن طولون (ت 953ه)، ط. دار النوادر، تحقيق عبد الله بن عبد العزيز الشبراوي.
مشيخة الصيداوي زين الدين أبي اللطف الشهير بابن صارم الدين (ت 977ه)، ط. دار البشائر الإسلامية، تحقيق يوسف المرعشلي.
ومن عادة بعض العلماء أيضًا أنهم كانوا يترجمون لأنفسهم، وينقلون تزكيات العلماء وإجازاتهم لهم من خلال هذه التراجم، ومِمّن صنع ذلك:
ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب كما في “الإحاطة في أخبار غرناطة” المجلد الرابع بدءًا من صفحة (438)، ط. مكتبة الخانجي، تحقيق عنان.
الحافظ ابن حجر العسقلاني في أول كتاب “رفع الإصر عن قضاة مصر”، ط. مكتبة الخانجي، تحقيق علي محمد عمر، في الترجمة الثالثة والعشرين، وجاء في ترجمته وهو يتحدث عن نفسه: “ثم رجع وأكمل كتابه “تغليق التعليق” في حياة كبار مشايخه، فكتبوا عليه، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني إلى أن أذن له، وأذن له بعد إذنه شيخه الحافظ زين الدين العراقي، ثم أخذ في التصنيف”.
وترجم لنفسه كذلك من خلال كتابه “إنباء الغمر بأنباء العمر”، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحقيق حسن حبشي.
المؤرخ: جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي في آخر كتابه “المنهل الصافي”، ونقله في المجلد الأول من “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”.
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي كما في كتابه “التحدث بنعمة الله”، ط. الذخائر، تحقيق إليزابيث ماري سارتين.
أبو الطيب محمد بن أحمد الحسني المكي الفاسي كما في “العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين”.
إمام الشام في عصره: جمال الدين القاسمي –سيرته الذاتية بقلمه-، جمع وتعليق: محمد بن ناصر العجمي (ط دار البشائر الإسلامية).
عباس بن إبراهيم المراكشي: ترجم لنفسه كما في كنَّاشته (ص151).
محمد عبدالهادي المنوني –من أعلام التراث في المغرب العربي-: مقال “المنوني بقلمه” مجلة معهد المخطوطات العربية (المجلد 45/الجزء الثاني/رمضان 1422).
قلت: وقد زكَّى ربُّ العزة سبحانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وزكاهم كذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدّد مناقبهم، والصحابة أنفسهم هم الذين رووا هذه التزكيات والمناقب، ونقلوها إلى التابعين، كما في الأحاديث التالية:
نقل أنس بن مالك الأنصاري ثناء رسول الله على الأنصار في حديثين:
الأول: أخرجه البخاري (3776) من حديث غَيْلاَن بْن جَرِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: «بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»، كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ، فَيُحَدِّثُنَا بِمَنَاقِبِ الأَنْصَارِ، وَمَشَاهِدِهِمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ، فَيَقُولُ: «فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا».
والثاني: أخرجه البخاري (3778) من حديث أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: «مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ»، وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ، قَالَ: «أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ».
وهذا سَعِيد بْن زَيْدٍ يخبر عن نفسه أنه من أهل الجنة ببشارة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أخرج ابن أبي عاصم في السُّنَّة (1426)، وابن حبَّان (6996)، وغيرهما من حديث سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى تِسْعَةٍ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ شَهِدْتُ عَلَى الْعَاشِرِ لَصَدَقْتُ قَالَ: قُلْتُ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِرَاءٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ”، قُلْتُ: فَمَنِ الْعَاشِرُ قَالَ: أَنَا”، وصحّحه العلامة الألباني –رحمه الله-.
والزبير بن العوّام يخبر بأن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع له أبويه يوم بني قريظة، كما أخرج هذا البخاري: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ، عَلَى فَرَسِهِ، يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا أَبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ؟ قَالَ: أَوَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ». فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ فَقَالَ: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»
وسعد بن أبي وقاص يخبر بأن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع له أبويه يوم أحد، كما أخرج البخاري من حديث سَعِيد بْن المُسَيِّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا، يَقُولُ: «جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ».
وعن سَعِيد بْن المُسَيِّبِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي اليَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ».
وهذا عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، يخبر عن تزكية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ البِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ».
قلت: ولذلك من العجب أن يمنع طالب العلم من نشر تزكيات العلماء له، وكأنه قال بلسان حاله: أنا لست بحاجة إلى هذه التزكيات، تحت دعوى “أن المرء يزكيه علمه وعمله”، وتحت دعوى الإخلاص، وهذا من الحق الذي أُلبس الباطل؛ حيث إن نشر تزكية العلماء لهذا المزكَّى، لا تنافي الإخلاص، إنما هي شهادة أمينة منهم على صحة علم مَن زكّوه، وهذا أمر معلوم بالضرورة في العلوم الدنيوية، حيث لا يمارس أحدٌ مهنة من المهن إلا بتزكية أصحاب الخبرات الذين سبقوه في هذه المهنة، فكيف في العلوم الشرعية؟! و”الحكيم لا يحتَّج بما هو دعوى مجرَّدة”(1)!!
وهل امتنع الصحابة من نشر ثناء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم، وهل يقال: إنهم لا حاجة لهم بهذا الثناء؛ لأن المرء يزكيه علمه وعمله؟!
وهل التابعون وأئمة الإسلام على مرّ القرون الذين كان يزكّي فيهم السابق اللاحق امتنعوا عن نشر هذه التزكيات بناء على هذه الدعوى التي وُضِعت في غير موضعها؟
وأين هذا القائل من كتب التراجم والمناقب التي امتلأت بنقل تزكيات العلماء وثناءاتهم بعضهم على بعض؟!
بل نقول: أنه قد دلَّت الأدلة على جواز مدح الرجل نفسه، أو إظهار تميُّزه في أمر معين، إن كان ثَمَّ مصلحة شرعية في هذا الأمر، فمن باب أولى يجوز للرجل أن ينقل تزكيات العدول من أهل العلم له، إن كان ثَمَّ مصلحة شرعية في هذا الأمر، وكلا الأمرين لا ينافي الإخلاص لله عز وجل، إذا حسُنَت نية الفاعل.
وثَمَّ فرق دقيق بين مدح النفس بحقٍّ لمصلحة دون عجب بها ولا غرور، وبين مدحها بغير ما تستحقه من مرتبة عجبًا وعلوًّا في الأرض.
وقد عقد ابن قتيبة في “عيون الأخبار” (1/275) بابًا بعنوان: “مدح الرجل نفسه وغيره”، قال فيه: “قال الله عزّ وجلّ حكاية عن يوسف: {اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
قال الماوردي في النكت والعيون (3/52): “وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات ولكن مخصوص فيما اقترن بوصلة أو تعلق بظاهر من مكسب وممنوع منه فيما سواه لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله ، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله ولما يرجوه من الظفر بأهله”.
وقال ابن كثير في تفسيره (4/395): “فَقَالَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} مَدَحَ نَفْسَهُ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ إِذَا جُهِل أَمْرُهُ، لِلْحَاجَةِ”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»…
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/138): “وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْمَخْلُوقُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَهَذَا لا يُذَمُّ مُطْلَقًا بَلْ قَدْ يُحْمَدُ مِنْهُ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ}”.
وقال ابن القيم في مدارج السالكين (3/86): “وَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ»، فَكَيْفَ أَخْبَرَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَمِنَّتِهِ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ افْتِخَارًا بِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَلَكِنْ إِظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِعْلَامًا لِلْأُمَّةِ بِقَدْرِ إِمَامِهِمْ وَمَتْبُوعِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِ. لِتَعْرِفَ الْأُمَّةُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ.
وَيُشْبِهُ هَذَا قَوْلَ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ لِلْعَزِيزِ {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] فَإِخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، لَمَّا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى الْعَزِيزِ وَعَلَى الْأُمَّةِ، وَعَلَى نَفْسِهِ: كَانَ حَسَنًا. إِذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفَخْرَ عَلَيْهِمْ، فَمَصْدَرُ الْكَلِمَةِ وَالْحَامِلُ عَلَيْهَا يُحَسِّنُهَا وَيُهَجِّنُهَا، وَصُورَتُهُ وَاحِدَةٌ”.اهـ
قلت: وذكر أعرابيٌّ قومًا فقال: والله ما نالوا بأطراف أناملهم شيئا إلا وقد وطئناه بأخامص أقدامنا، وإنّ أقصى مناهم لأدنى فعالنا.
وهذا العالم إذا طُعِن في عرضه وعلمه بما هو منه بريء، فهذا أدعى أن ينشر تزكيات العلماء له؛ لأنهم شهداء الله في الأرض، وشهادتهم تدمغ افتراء المتربصين الذين يبغون البرآء العنت؛ فليست تزكيات العلماء له حجة ضعيفة، بل هي شهادة أمينة، وهذا لا يعني أن تكون هذه التزكيات حجة على خطأ هذا العالم أو تصحيحًا لزلة منه، بل لكلّ مقام مقال.
فإذا كان هذا العالم قد صنّف المصنّفات وألقى الدروس والمحاضرات والخطب، وعقد الدورات العلمية التي تذبُّ عن اعتقاد ومنهج السلف الصالح، ثم جاءت شهادات شيوخه تزكِّي جهوده، فهل مثل هذا يُفرَح به من قبل إخوانه وأهل بلده؟ أم يحاربونه ويجتهدون في إظهار عيبه؟! لكن البعض يجعل الحسنة سيئة، والسيئة حسنة! وكما قال ابن قيم الجوزية في تهذيب السنن (1/122): “والإنصاف أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك، فإن في كلّ شيء وفاء وتطفيفًا”.
فإذا تعرّض هذا العالم لمن بغى عليه وسعى للتشكيك في علمه وصحة منهجه، فهل يُلام على نشر تزكيات العلماء له ذبًّا عن عرضه، وحفظًا لدعوة الحقّ التي يحملها؟! قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}.
قال الشوكاني في “فتح القدير” (4/541): “ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْمُنْتَصِرِينَ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ كَمَا ذَكَرَ الْمَغْفِرَةَ عِنْدَ الْغَضَبِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ لِأَنَّ التَّذَلُّلَ لِمَنْ بَغَى لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْعِزَّةَ حَيْثُ قال: “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ”، فَالِانْتِصَارُ عِنْدَ الْبَغْيِ فَضِيلَةٌ، كَمَا أَنَّ الْعَفْوَ عِنْدَ الْغَضَبِ فَضِيلَةٌ، قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُذِلُّوا أَنْفُسَهُمْ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْهِمُ السُّفَهَاءُ”.
لكن هؤلاء يقيسون الأمور على نحو يفضي إلى سوء الظن بالعدول من أهل العلم، وكما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في جامع المسائل (5/42): “إذا صارت الشبهاتُ أَهْواءً أخرجتْ من النفوس الداءَ الدفين”.
و”اعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين قد يُوقع في شيء من الخطأ ابتلاء لغيره أيتّبعون الحق، ويدعون قوله أم يغترون بفضله وجلالته”(2).
والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلّم.
أبو عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري
صباح الثلاثاء 25 صفر 1439
—————-
(1) العلامة المعلّمي اليماني –رحمه الله- في “رفع الاشتباه” (ص721)”.
(2) العلامةالمعلّمي اليماني –رحمه الله- في “رفع الاشتباه” (ص294)”.